وفي (١) أمره تعالى أن يتلو ما أوحي إليه، وإخباره أنه لا مبدّل لكلماته، إشارةٌ إلى تبديل المتنازعين في أهل الكهف، وتحريف أخبارهم، وهذه الآية آخر قصّة أهل الكهف.
٢٨ - ثمّ شرع سبحانه في نوع آخر، كما هو دأب الكتاب العزيز فقال:{وَاصْبِرْ نَفْسَكَ}؛ أي: احبسها وثبتها مصاحبة {مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ}، ويذكرونه {بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ}؛ أي: في أول النهار وآخره، والمراد الدوام؛ أي: مداومين على الدعاء في جميع الأوقات، أو بالغداة لطلب التوفيق والتيسير، والعشي لطلب عفو التّقصير، وقال ابن عمر، ومجاهدٌ، وإبراهيم:{وَالْعَشِيِّ} إشارة إلى الصلوات الخمس، وقال قتادة: إلى صلاة الفجر، وصلاة العصر.
وقرأ نصر بن عاصم، ومالك بن دينار، وأبو عبد الرحمن، وابن عامر:{بالغدوة} بالواو، واحتجوا بأنها في المصحف كذلك مكتوبة بالواو قال النّحّاس: وهذا لا يلزم لكتبهم الحياة والصلاة بالواو، ولا تكاد العرب تقول: الغدوة، وجملة قوله:{يُرِيدُونَ} بدعائهم في تلك الأوقات {وَجْهَهُ} تعالى، ورضاه، حال من الضمير المستكن في يدعون؛ أي: يدعون ربهم حالة كونهم مريدين بدعائهم، وعبادتهم، وجهه تعالى ورضاه، لا شيئًا آخر من أعراض الدنيا.
والمعنى: أي احبس نفسك وثبتها مع فقراء الصحابة، كعمار بن ياسر، وصهيب، وبلال، وابن مسعود، وأضرابهم ممن يدعون ربّهم بالغداة والعشي بالتسبيح، وصالح الأعمال، ابتغاء مرضاة الله، لا يريدون عرضًا من أعراض الدنيا، ولا شيئًا من لذاتها ونعيمها.
روي: أن عيينة بن حصن الفزاري، أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل أن يسلم، وعنده جماعة من فقراء أصحابه، فيهم سلمان الفارسي، وعليه شملة قد عرق فيها، وبيده خوص يشقه، ثم ينسجه، فقال له: أما يؤذيك ريح هؤلاء ونحن سادات