للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

مضر وأشرافها، فإن أسلمنا أسلم النّاس، وما يمنعنا من اتباعك إلا هؤلاء، فنحّهم حتى نتبعك أو اجعل لهم مجلسًا، فنزلت هذه الآية كما مر في أسباب النزول، ونحو الآية قوله: {وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ}، ومقال هؤلاء شبيه بمقالة قوم نوح {أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ} ثم أمره سبحانه بمراقبة أحوالهم فقال: {وَلا تَعْدُ عَيْناكَ}؛ أي: ولا تلتفت عيناك، ولا تنصرف ولا تمل {عَنْهُمْ} إلى غيرهم من ذوي الهيئات والزينة، وهذا نهيٌ (١) للعينين، والمراد صاحبهما، يعني نهيه عليه السلام عن الازدراء بفقراء المسلمين، لرثاثة زيهم، طموحًا إلى زيّ الأغنياء، وقيل: معناه: لا تحتقرهم عيناك، حالة كونك يا محمد {تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا}؛ أي: تطلب مجالسة الأغنياء والأشراف، وصحبة أهل الدنيا، وفي إضافة الزينة إلى الحياة الدنيا تحقير لشأنها، وتنفير عنها.

وقرأ الجمهور (٢): {وَلا تَعْدُ عَيْناكَ} على نسبة الفعل إلى العينين، وقرأ الحسن: {تعد} عينيك بالتشديد، والتخفيف من عدّى أو أعدى، وقرأ الأعمش، وعيسى: {وَلا تَعْدُ} بالتشديد {وَلا تُطِعْ} يا محمد، أي: لا توافق في تنحية الفقراء عن مجلسك، {مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا}؛ أي: من جعلنا قلبه غافلًا عن ذكرنا، كعيينة بن حصن، وقيل: أميّة بن خلف، والغفلة: معنى يمنع الإنسان من الوقوف على حقيقة الأمور؛ أي: جعلنا قلبه في فطرته الأولى غافلًا عن الذكر، ومختومًا عن التوحيد، كرؤساء قريش، وفيه تنبيه على أنّ الدّاعي له إلى هذا الاستدعاء غفلة قلبه عن المعقولات، وانهماكه في المحسوسات، حتى خفي عليه أن الشّرف بحلية النفس لا بزينة الجسد، وأنه لو أطاعه كان مثله في الغباوة؛ أي: ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا، أي: عن توحيدنا {وَاتَّبَعَ هَواهُ}؛ أي: شهوته في عبادة الأصنام {وَكانَ أَمْرُهُ} وشأنه، وعملُه {فُرُطًا}؛ أي: ضائعًا لا ينتفع به في الدنيا والآخرة.

وفي «التأويلات النجمية»: وكان أمره في متابعة الهوى هلاكًا وخسرانًا،


(١) روح البيان.
(٢) أبو البقاء.