للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وفي هذا وفيما قبله (١): قطع عذرهم في عدم الإنفاق؛ إذ الذي ينفقونه هو لهم، حيث يكونون محتاجين إليه فيوفونه كاملًا موفرًا، فينبغي أن يكون إنفاقهم على أحسن الوجوه وأفضلها، وقد جاء قوله تعالى: {وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} وقوله صلى الله عليه وآله وسلم في حديث أبي هريرة: "إذا تصدق العبد بالصدقة وقعت في يد الله قبل أن تقع في يد السائل، فيربيها لأحدكم كما يربي أحدكم

٢٧٣ - فُلوَّه أو فَصِيلَهُ حتى إن اللقمة لتصير مثل أُحد". وقوله: {لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} خبر لمبتدأ محذوف تقديره: ذلك الإنفاق المحثوث عليه مصروف للفقراء الذين حبسوا أنفسهم ووقفوها على الجهاد في سبيل الله، أو للفقراء الذين صفتهم كذا وكذا حق واجب.

نزلت هذه الآية في حق فقراء المهاجرين من قريش (٢)، وكانوا نحو أربع مئة، وهم أصحاب الصفة، لم يكن لهم مساكن ولا عشائر بالمدينة، وكانوا ملازمين المسجد، ويتعلمون القرآن، ويصومون، ويخرجون في كل غزوة {لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ}؛ أي: لا يقدرون سيرًا {فِي الْأَرْضِ} ولا سفرًا فيها لطلب المعاش، ولا يتفرغون لطلبها، ثم عدم الاستطاعة للسير إما لاشتغالهم بصلاح الدين وبأمر الجهاد، فذلك يمنعهم من الاشتغال بالكسب والتجارة، وإما لخوفهم من الأعداء، كما قاله قتادة وابن زيد؛ لأن الكفار كانوا مجتمعين حول المدينة وكانوا متى وجدوهم قتلوهم، فذلك يمنعهم من السفر، وإمَّا لمَرضهم بالجروح، كما قاله سعيد بن المسيب رضي الله عنه، فحث الله تعالى الناس على الإنفاق عليهم، فكان مَن عنده فَضْل أتاهم به إذا أمسى.

{يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ} بحالهم؛ أي: يظنهم من لم يختبر أمرهم {أَغْنِيَاءَ} غير محتاجين {مِنَ التَّعَفُّفِ}؛ أي: لأجل تحفظهم عن مسألة الناس وتركها، وإظهارهم التجمل. قرأ ابن عامر وعاصم وحمزة: {يحسَبهم} - بفتح السين من


(١) البحر المحيط.
(٢) المراح.