للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

المأمون، فقرأ الآية، ثم قال: إذا كانت الأنفاس بالعدد، ولم يكن لها مدد، فما أسرع ما تنفد:

إِنَّ الْحَبِيْبَ مِنَ الأَحْبَابِ مُخْتَلَسُ ... لاَ يَمْنَعُ الْمَوْتَ بَوَّابٌ وَلاَ حَرَسُ

وَكَيْفَ يَفْرَحُ بِالدُّنْيَا وَلَذَّتِهَا ... فَتَىً يُعَدُّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ وَالنَّفَسُ

والعد هنا: كناية عن القلة، ولا ينافي هذا ما مر من أنه يمد لمن كان في الضلالة؛ أي: يطول لأنه بالنسبة لظاهر الحال عندهم، وهو قليل باعتبار عاقبته وعند العد. اهـ "شهاب".

٨٥ - ثم لما قرر سبحانه أمر الحشر، وأجاب عن شبهة منكريه .. أراد أن يشرح حال المكلفين حينئذٍ فقال: {يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ} الظرف منصوب بفعل مقدر؛ أي: اذكر يا محمد لقومك بطريق الترغيب والترهيب، يوم يجمع أهل التقوى والطاعة {إِلَى الرَّحْمَنِ}؛ أي: إلى ربهم الذي يغمرهم برحمته الواسعة، حال كونهم {وَفْدًا}؛ أي: وافدين عليه، كما يفد الوفود على الملوك راكبين منتظرين لكرامتهم وإنعامهم، والوافد من يأتي بالخير، والوفد جمع وافد كريب جمع راكب، ومعنى (١) حشرهم إلى الرحمن: حشرهم إلى جنته ودار كرامته، كقوله: {إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي} وفي "التأوبلات النجمية" إنما خص حشر وفد المتقين إلى حضرة الرحمانية؛ لأنها من صفات اللطف، ومن شأنها الجود والإنعام، والفضل والكرم، والتقريب والمواهب. انتهى.

٨٦ - {وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ}؛ أي: الكافرين والعاصين بكفرهم ومعاصيهم {إِلَى جَهَنَّمَ} كما تساق البهائم حالة كونهم {وِرْدًا}؛ أي: مشاةً عطاشًا، قد تقطعت أعناقهم من العطش، وقرأ الحسن (٢)، والجحدري {يحشر المتقون} {ويساق المجرمون} مبنيًا للمفعول.

٨٧ - وجملة قوله: {لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ}: مستأنفة لبيان بعض ما يكون في ذلك اليوم من الأمور، والضمير فيه: إما راجع إلى المتقين خاصةً، ويكون حينئذ معنى


(١) الشوكاني.
(٢) البحر المحيط.