ابتلائهم، فلم يرتدوا عنه بأذى المشركين لهم، وعملوا صالح الأعمال فأدوا فرائضه، وقاموا بها حق القيام، فواسوا البائس الملهوف، وأغاثوا المظلوم، وقدموا لوطنهم ما هو شديد الحاجة إليه، فرأبوا صدعه وسدوا ثغره، وكانوا للمؤمنين سندًا ومعينًا حتى يصيروا كالبنيان يشد بعضه بعضًا .. لنكفرن عنهم سيئاتهم التي فُرِّطت منهم في شركهم، أو صدرت منهم لمامًا في إيمانهم، وندموا على ما اجترحوه منها، ولنثيبنهم على صالح أعمالهم حين إسلامهم أحسن ما كانوا يعملون، فنقبل القليل من الحسنات، ونثيب على الواحدة منها عشر أمثالها إلى سبع مئة ضعف، ونجزي على السيئة بمثلها أو نعفو عنها، ونحو الآية قوله: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا (٤٠)}.
فإن قلت: إن قوله: {عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ} يستدعي وجود السيئات حتى تكفَّر، وقوله:{وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} يقتضي عدمها، فمن أين تكون لهم سيئة؟
قلت: الجواب عن ذلك أن يقال: إنه ما من مكلف إلا وله سيئة، أما غير الأنبياء فظاهر، وأما الأنبياء فلأن ترك الأفضل منهم كالسيئة من غيرهم، ولهذا قال تعالى:{عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ} اهـ. "كرخي".
٨ - {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا}؛ أي: أمرنا الإنسان بالبر بوالديه والعطف عليهما؛ لأنهما سبب وجود الولد؛ أي (١): أمرناه بأن يُحسن إليهما بكل ما يمكنه من وجوه الإحسان، فيشمل ذلك إعطاء المال والخدمة، ولين القول وعدم المخالفة لهما وغير ذلك، وانتصاب حسنًا على أنه نعت لمصدر محذوف؛ أي إيصاءً حسنًا على المبالغة، أو على حذف المضاف؛ أي: ذا حسن، هذا عند البصريين، وأما عند الكوفيين فهو منصوب على أنه مفعول لفعل محذوف، تقديره: ووصينا الإنسان أن يفعل بوالديه حُسْنًا.
وقرأ الجمهور {حُسْنًا} الحاء وإسكان السين، وقرى أبو رجاء وأبو