والنفسية الدالَّة على وحدانية الله تعالى وعظيم قدرته، والظرف في
١٣١ - قوله:{إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ} متعلِّق باصطفيناه، وتعليلٌ له؛ أي: اصطفيناه واخترناه {إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ}؛ أي: أخلص دينك لربّك، واستقم على الإِسلام، واثبت عليه، وذلك حين كان في الرب، ونظر إلى الكواكب، والقمر، والشمس، فألهمه الله الإخلاص {قَالَ} إبراهيم {أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ}؛ أي: أخلصت ديني له، كقوله:{إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} الآية. وقد امتثل ما أمر به من الإخلاص والاستسلام، وأقام على ما قال، فسلَّم القلب، والنفس، والولد، والمال، ولمَّا قال له جبريل حين ألقي في النار: هل لك من حاجة؟ فقال: أما إليك فلا، فقال: ألا تسأل ربَّك؟ فقال: حسبي بسؤالي علمه بحالي.
وقيل: الظرف متعلق بمحذوف، كنظائره، تقديره: واذكر يا محمد! لأمَّتك قصة {إذ قال له}؛ أي: لإبراهيم {رَبُّهُ} سبحانه وتعالي {أَسْلِمْ}؛ أي: أخلص دينك وعملك لله {قَالَ} إبراهيم {أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ}؛ أي: أخلصت ديني وعملي لمالك الخلائق، ومدبِّرها، ومحدثها، ويقال: قال له ربُّه حين ألقي في النار: أسلم نفسك إليَّ. قال: أسلمت نفسي لله ربِّ العالمين؛ أي: فوَّضْتُ أمري إليه، وقد حقَّق ذلك حيث لم يستعن بأحدٍ من الملائكة حين ألقي في النار.
قال أهل التفسير (١): إنّ إبراهيم ولد في زمن النمروذ بن كنعان، وكان النمروذ أوّل من وضع التاج على رأسه، ودعا الناس إلى عبادته، وكان له كُهَّانٌ ومنجِّمون، فقالوا له: إنّه يولد في بلدك في هذه السنة غلامٌ يغيِّر دين أهل الأرض، ويكون هلاكك، وزوال ملكك على يديه. قالوا: فأمر بذبح كُلِّ غلام يولد في ناحيته في تلك السنة، فلمَّا دنت ولادة أُمّ إبراهيم، وأخذها المخاض خرجت هاربةً مخافة أن يطلع عليها فيقتل ولدها، فولدته في نهرٍ يابسٍ، ثُمَّ لفَّته في خرقةٍ، ووضعته في حلفاء، وهو نبتٌ في الماء، يقال له بالتركي: حَصِير قَمشَي، ثُمَّ رجعت فأخبرت زوجها بأنَّها ولدت، وأنَّ الولد في موضع كذا، فانطلق أبوه، فأخذه من ذلك المكان، وحفر له سُرْبًا؛ أي: بيتًا في الأرض