للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

رغائبه التي وراء كسبه وحقوقه الشرعية.

٦٠ - ولمَّا لمز (١) المنافقون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عابوه في قسم الصدقات .. بيَّن الله سبحانه وتعالى في هذه الآية، أن المستحقين للصدقات هؤلاء الأصناف الثمانية، ومصرفها إليهم، ولا تعلق لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - منها بشيءٍ، ولم يأخذ لنفسه منها شيئًا، فلم يلمزونه ويعيبون عليه؟ فلا مطعن لهم فيه، بسبب قسم الصدقات، فقال: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ}؛ أي: إنما الزكوات الواجبة مصروفةٌ {لِلْفُقَرَاءِ} وما عطف عليه من سائر الأصناف السبعة، وإنما أداة حصرٍ، وتعريف الصدقات للجنس؛ أي: جنس هذه الصدقات مقصورٌ على هذه الأصناف المذكورة، لا يتجاوزها، بل هي لهم لا لغيرهم، وقد اختلف العلماء، هل يجب تقسيط الصدقات على هذه الأصناف الثمانية، أو يجوز صرفها إلى البعض دون البعض على حسب ما يراه الإمام أو صاحب الصدقة؟ فذهب إلى الأول: الشافعي وجماعةٌ من أهل العلم، وذهب إلى الثاني: مالك وأبو حنيفة، وبه قال عمر وحذيفة وابن عباس وغيرهم.

الأول منها: الفقراء، جمع فقير وهو (٢) من لا مال له ولا كسب يقع موقعًا من حاجته، بأن لم يكن له مالٌ ولا كسبٌ أصلًا، أو كانا له ولا يقعا موقعًا من كفايته، كمن يحتاج إلى عشرة، وكان عنده أربعة وما دونها، مأخوذ من الفقار، كأنه أصيب في فقاره، وهو أسوأ حالًا من المسكين.

وثانيهما: ما ذكره بقوله {و} مصروفة لـ {المساكين} جمع مسكين، والمسكين: من له مال، أو كسب، يقع موقعًا من كفايته ولا يكفيه تمام حاجته، كمن يحتاج إلى عشرة وعنده خمسةٌ، أو ما فوقها إلى تسعة، ومعنى وقوعه موقعًا من كفايته: أن يسد نصف حاجته، وما فوقه دون تمامها، مأخوذٌ من السكون، كأنَّ العجز أسكنه، ويدل عليه قوله تعالى: {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ} وأنه عليه السلام كان يسأل المسكنة، ويتعوذ من الفقر، وقيل: بالعكس، لقوله تعالى: {أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ}.


(١) البيضاوي بزيادة.
(٢) الشوكاني.