للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ولا يجري بينهم مداهنة، فبقدر ما يرى بعضهم في بعض من صدق الطلب والجد، والاجتهاد يساعده، ويوافقه، ويعاونه، فإذا علم منه شيئًا لا يرضاه الله تعالى، لا يرضاه من صاحبه، ولا يداريه، فقد قيل: المداراة في الشريعة كفر، بل ينصحه بالرفق والموعظة الحسنة، فإذا عاد إلى ما كان عليه وترك ما تجدد لديه يعود إلى صدق مودته وحسن صحبته، كما قال تعالى: {وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا} انتهى.

٦٨ - ثم ذكر ما يتلقى الله سبحانه وتعالى به عباده المتقين، المتحابين في الله تشريفًا لهم، وتسكينًا لروعتهم مما يرون من الأهوال فقال: {يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ} من لقاء المكاره {وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ} من فوت المقاصد، كما يخاف ويحزن غير المتقين، وقرأ نافع وابن عامر وأبو عمرو: {يَا عِبَادِي} بإثبات الياء، ساكنة وصلًا ووقفا. وقرأ أبو بكر وزر بن حبيش بإثباتها وفتحها في الحالين. وقرأ الباقون بحذفها في الحالين. وقرأ الجمهور: {لَا خَوْفٌ}: مرفوعًا منونًا، وابن محيصن بالرفع من غير تنوين، والحسن والزهري وابن أبي إسحاق وعيسى وابن يعمر بفتحها من غير تنوين، ذكره في "البحر"؛ أي (١): ونقول لهم يومئذ: يا عبادي لا تخافوا من عقابي. فإني قد أمنتكم منه برضاي عنكم، ولا تحزنوا على فراق الدنيا، فإن الذي تقدمون عليه خير لكم مما فارقتموه منها.

٦٩ - ثم بين من يستحق هذا النداء وذلك التكريم فقال: {الَّذِينَ آمَنُوا} وصدقوا {بِآيَاتِنَا} وعملوا بجميع ما فيها {وَكَانُوا مُسْلِمِينَ}؛ أي: منقادين لتكاليفنا بامتثال الأوامر، واجتناب النواهي. وجملة {كَانُوا} حال من {الواو} في {آمَنُوا}، أو عطف على الصلة؛ أي: مخلصين وجوههم لنا، جاعلين أنفسهم سالمةً لطاعتنا، وفي الآية إشارة إلى الإيمان بالآيات التنزيلية، والتكوينية.

والمعنى: أي الذين آمنت قلوبهم، وصفت نفوسهم، وانقادت لشرع الله بواطنهم وظواهرهم، والموصول يجوز أن يكون نعتًا لعبادي، أو بدلًا منه، أو


(١) المراغي.