لأبنائه الأعزاء، والنصارى قد زادوا غرورًا، فهم قد ادعوا أن المسيح فداهم بنفسه، وأنهم أبناء الله بولادة الروح، والمسيح ابنه الحقيقي، ويخاطبون الله تعالى بلقب الأب.
وقد جاهد النبي - صلى الله عليه وسلم - غرور اليهود جهادًا عظيمًا، ولم يجد ذلك فيهم شيئًا، فرفضوا دعوته، وردوا ما جاءهم به من أن العمل مرضاة لله، وبه تنال تزكية النفس، وإصلاحها كما جاهد صلف خبث النصارى وكبرهم، وكانوا زمن التنزيل أشد من اليهود فسادًا وظلمًا وعدوانًا بشهادة المؤرخين، ومع كل هذا يدعون أنَّهم أبناء الله وأحباؤه، وأنَّهم ليسوا في حاجة إلى إصلاح دينهم، ولا دنياهم، كما فعل اليهود مثل ذلك.
والخلاصة: أن هذه الآيات تبين لنا سنة الله في البشر، وأن الجزاء إنما يكون على الأعمال لا على الأسماء والألقاب،
١٩ - {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ}؛ أي: يا معشر اليهود والنصارى {قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا} محمَّد - صلى الله عليه وسلم - الذي بشرتم به في كتبكم، وأخبركم به أنبياؤكم حالة كونه {يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ}؛ أي: في زمن انقطاع من الرسل وطول عهد بالوحي، جميع ما تحتاجون إليه من أمور دينكم ودنياكم، من عقائد أفسدتها عليكم نزعات الوثنية، وأخلاق وآداب صحيحة أفسدها عليكم إفراطكم في الأمور المادية والروحية، وعبادات وأحكام تصلح أمور الأفراد والمجتمع. وقد أرسل صلوات الله عليه، وقد فشا التغيير والتحريف في الشرائع المتقدمة لتقادم عهدها، وطول زمانها، فاختلط فيها الحق بالباطل، والصدق بالكذب، وصار ذلك عذرًا ظاهرًا في إعراض الخلق عن العبادات، إذ لهم أن يقولوا: يا إلهنا عرفنا أنَّه لا بدّ من عبادتك، ولكن كيف نعبدك؛ فبعث الله محمدًا - صلى الله عليه وسلم - في ذلك الحين لإزالة هذا العذر الذي بينه سبحانه بقوله:{أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ}؛ أي: إنَّما أرسلنا إليكم رسولنا في زمن فترة الرسل، وانقطاع الوحي، كراهية أن تقولوا ما جاءنا من بشير يبشرنا بحسن العاقبة للمؤمنين، ولا نذير ينذرنا بسوء العاقبة للمفسدين والضالين؛ أي: أرسلناه كراهية أن تقولوا هذا القول معتذرين عن تفريطكم {فـ} ـلا تعتذروا لأنَّه {قد جاءكم بشير ونذير} يبين لكم أمر النجاة والخلاص والسعادة الأبدية، وأنها منوطة