وأحباؤه} أثبتت لأنفسها ما أثبتته للمسيح حيث قالوا: المسيح ابن الله. وقيل: هو على حذف مضاف؛ أي: نحن أتباع أبناء الله، وهكذا أثبتوا لأنفسهم أنهم أحباء الله بمجرد الدعوى الباطلة، والأمانيّ العاطلة. فأمر الله سبحانه وتعالى رسوله - صلى الله عليه وسلم - أن يرد عليهم فقال:{قُلْ} يا محمَّد إلزامًا وتبكيتًا إذا كان الأمر كما زعمتم {فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ} الله سبحانه وتعالى {بِذُنُوبِكُمْ} في الدنيا كما ترون من تخريب الوثنيين لمسجدكم الأكبر، ولبلدكم المرة بعد المرة، ومن إزالة ملككم من الأرض، والأب لا يعذب ابنه، والحبيب لا يعذب حبيبه، فلستم إذًا أبناء الله ولا أحباؤه {بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ}؛ أي: من جملة ما خلق الله سبحانه وتعالى، والله سبحانه لا يحابي أحدًا {يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاء}؛ أي: يغفر له ممن يعلم أنَّه مستحق للمغفرة، وهم الذين آمنوا بالله تعالى وبرسله وتابوا من الكفر واليهودية والنصرانية {وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ} أن يعذبه ممن يعلم أنَّه مستحق للعذاب، وهم الذين كفروا بالله وبرسله، وماتوا على اليهودية والنصرانية، فارجعوا عن غروركم بأنفسكم وسلفكم وكتبكم، فكل هذا لا يجزيكم فتيلًا ولا قطميرًا، وإنَّما الذي ينفعكم هو الإيمان الصحيح، وصالح الأعمال، فالجزاء إنَّما يكون عليها لا على الأسماء والألقاب والأنساب {وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا} من الموجودات، فله التصرف التام يفعل ما يشاء لا معقب لحكمه {وَإِلَيْهِ الْمَصِير}؛ أي: الرجوع بالحشر والمعاد؛ أي: تصيرون إليه عند انتقالكم من دار الدنيا إلى دار الآخرة؛ أي: إنَّه تعالى الخالق ذو التصرف المطلق في كل شيء بمقتضى علمه، وحكمته وعدله وفضله، وجميع المخلوقات عبيد له، لا أبناء ولا بنات {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا}.
وختمها بقوله:{وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ} إشارة إلى أنَّه سيعذبهم في الآخرة على هذا الكفر والدعاوى الباطلة، وأنَّهم عندما يصيرون إليه يعلمون أنَّهم عبيد آبقون يجازون، لا أبناء وأحباء يحابون. وقد كان اليهود يعتقدون أنَّهم شعب الله الخاص، ميزهم عن سائر البشر، فليس لشعب آخر أن يطلب مساواته بهم، وإنْ كان أصح منهم إيمانًا وأصلح أعمالًا، ولا ينبغي أن يتبعوا محمدًا - صلى الله عليه وسلم - لأنه عربي لا إسرائيلي، والفاضل لا يتبع المفضول، والله لا يعاملهم إلا معاملة الوالد