للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

حين تشاهدون من منازلهم وديارهم آثار الهلاك والعذاب، وفي الإتيان (١) بالفاء الدالة على التعقيب في قوله: {فَانْظُرُوا} إشارة إلى وجوب المبادرة إلى النظر والاستدلال المؤديين إلى الإقلاع عن الضلال.

والمعنى (٢): أي فسيروا في الأرض التي كان يسكنها القوم الظالمون، والبلاد التي كانوا يعمرونها، كديار عاد وثمود ومن سار سيرتهم، ممن حقت عليهم الضلالة، وانظروا إلى آثار سخطنا عليهم، لعلكم تعتبرون بما حل بهم.

ثم خاطب سبحانه رسوله - صلى الله عليه وسلم - مسليًا له على ما يراه من جحود قومه، وشديد إعراضهم، ومبالغتهم في عنادهم، مع أسفه عليهم، وعظيم رغبته في إيمانهم، ومبينًا أن الأمر بيد الله، وليس له من الأمر شيءٌ فقال: {إِنْ تَحْرِصْ} يا محمد {عَلَى هُدَاهُمْ}؛ أي: على هداية قومك؛ أي: إن تطلب هداية قريش بجهدك .. لا ينفعهم حرصك على إيمانهم وهدايتهم، إذا كان الله تعالى يريد إضلالهم بسوء اختيارهم، وتوجيه عزائمهم إلى عمل المعاصي والإشراك بربهم، وجملة قوله: {فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ} معللة لجواب الشرط الذي قدرناه؛ أي: لأنه تعالى لا يخلق الهداية قسرًا فيمن يخلق فيه الضلالة لسوء اختياره، {وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ}؛ أي: وما لهم ناصرٌ ينصرهم من الله إن إراد عقوبتهم، كما قال: {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ}؛ أي: وليس لهم أحدٌ يعينهم على مطلوبهم في الدنيا والآخرة من دفع العذاب عنهم.

ومجمل القول (٣): أنَّ من اختار الضلالة ووجه همته إلى تحصيل أسبابها، فالله سبحانه لا يخلق فيه الهداية قسرًا وإلجاءً؛ لأن مدار الإيمان والكفر الاختيار لا الإلجاء والاضطرار.

٣٧ - وقرأ النخعي (٤): {وإن} بزيادة واو وهو والحسن وأبو حيوة {تَحْرِصْ} بفتح الراء مضارع حرص بكسرها وهي لغة، وقرأ الجمهور بالكسر مضارع حرص


(١) روح البيان.
(٢) المراغي.
(٣) المراغي.
(٤) البحر المحيط.