قلت: معنى الآية: ما من أمةٍ من الأمم الماضية إلا وقد أرسلت إليهم رسولًا ينذرهم على كفرهم، ويبشرهم على إيمانهم؛ أي: سوى أمتك التي بعثناك إليهم، يدل على ذلك قوله:{وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ}، وقوله:{لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ}.
وقيل: يجمع بينهما بأن المراد من هذه الآية المذكورة هنا: ما من أمة هلكوا بعذاب الاستئصال إلا بعد أن أقيم عليهم الحجة بإرسال الرسول بالإعذار والإنذار. انتهى ما في "كشف الأسرار". هذا الثاني هو أنسب بالتوفيق بين الآيتين، يدل عليه ما بعده من قوله:{وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ} الخ، وإلا فلا يخفى أن أهل الفترة، ما جاءهم نذير على ما نطق به قوله تعالى:{مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ}، ويدل عليه أيضًا أن كل أمة أنذرت من الأمم، ولم تقبل .. استؤصلت، فكل أمة مكذبة معذبة بنوع من العذاب، وتمام التوفيق بين الآيتين في سورة يس إن شاء الله تعالى.
والمعنى: وما من أمة خلت من بني آدم إلا وقد بعث الله إليهم النذر، وأزاح عنهم العلل، كما قال:{لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ}، وقال:{وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا}، وقال:{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ}.
٢٥ - ثم سلى رسوله - صلى الله عليه وسلم - على ما يلاقيه من قومه من الإصرار علي العناد والتكذيب، وأبان له أنه ليس ببدع من بين الرسل، فقال:{وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ}؛ أي: وإن يكذبوك أيها الرسول مشركو قومك، فلا تبتئس بما يفعلون، {فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} من الأمم الماضية رسلهم، والحال أنه قد {جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ}؛ أي: بالمعجزات الباهرة والأدلة القاطعة، {وَبِالزُّبُرِ}؛ أي: وبالكتب التي فيها مواعظ، كزبور داود، وصحف إبراهيم وموسى وشيث وإدريس. {وَبِالْكِتَابِ} والمراد به: الجنس الصادق بالمتعدد {الْمُنِيرِ} صفة للكتاب؛ أي: وبالكتب المنيرة؛ أي: التي توضح وتبين الأحكام والشرائع كالتوراة والإنجيل، والمراد بالبينات: المعجزات الظاهرة الدالة على صدق دعواهم وصحة نبوتهم، وبالزبر: الكتب التي فيها المواعظ والأمثال والحكم، وبالكتاب المنير: الكتب المظهرة