للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ثم أمر الله سبحانه رسوله بأن يصفح عن قومه فقال: {فَاصْفَحِ} يا محمد واعف وأعرض عن المكذبين من قومك، وتجاوز عن إساءتهم {الصَّفْحَ الْجَمِيلَ}؛ أي: الإعراض الجميل، والعفو الحسن، وتحمل أذيتهم، ولا تعجل بالانتقام منهم، وعاملهم معاملة الصفوح الحليم، وهذا منسوخ بآية السيف.

٨٦ - وخلاصة ذلك (١): خالقهم بخلق حسن، وتأن عليهم واحلم وأنذرهم، وادعهم إلى ربك قبل أن تقاتلهم {إن ربك} الذي يبلغك يا محمد إلى غاية الكمال {هُوَ الْخَلَّاقُ} لك ولهم ولسائر الموجودات على الإطلاق {الْعَلِيمُ} بأحوالك وأحوالهم بتفاصيلها، فلا يخفى عليه شيء مما جرى بينك وبينهم، فهو حقيق بأن تَكِل جميع الأمور إليه، ليحكم بينك وبينهم، وقد علم أن الصفح الجميل أولى بهم، إلى أن يحكم السيف بينك وبينهم، وفي الآية (٢) أمر بالمخالقة بالخلق الحسن، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - أحسن الناس خلقًا، وأرجح الناس حلمًا، وأعظم الناس عفوًا، وأسخى الناس كفًّا.

٨٧ - {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي}؛ أي: وعزتي وجلالي لقد أعطيناك يا محمد سبع آيات تسمى بالمثاني، وهي الفاتحة، سميت بذلك لأنها تثنى وتكرر في كل ركعة من الصلاة، وهذا قول عمر وعليّ وابن مسعود وأبي هريرة، والحسن وأبي العالية ومجاهد والضحاك وسعيد بن جبير وقتادة، لما روي عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أم القرآن السبع المثاني التي أعطيتها"، أو لأنها قسمت قسمين: ثناء ودعاء، وقد روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال يقول الله تعالى: "قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين"، وأعطيناك أيضًا {وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ}: وأكرمناك به، فهو معطوف على سبعًا من المثاني، ويكون من عطف العام على الخاص؛ لأن الفاتحة بعض من القرآن، وتخصيص الفاتحة بالذكر من بين القرآن الكريم لمزيد فضلها، على نحو ما جاء في قوله: {وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ}، وقيل (٣): السبع المثاني هي السبع الطوال: البقرة وآل عمران والنساء


(١) المراغي.
(٢) روح البيان.
(٣) الشوكاني.