الحال. وفيه تهديد لهم؛ أي: سيذوقون عذابي فيلجئهم إلى تصديق الذكر حين لا ينفع التصديق. وفيه إشارة إلى أنهم مستغرقون في بحر عذاب الطرد والبعد، ونار القطيعة، لكنهم عن ذوق العذاب بمعزل، لغلبة الحواس إلى أن يكون يوم تبلى السرائر. فتغلب السرائر على الصور، والبصائر على البصر، فيقال لهم: ذوقوا العذاب يعني: كنتم معذبين وما كنتم ذائقي العذاب. فالمعنى: لو ذاقوا عذابي، ووجدوا ألمه لما أقدموا على الجحود، دل على هذا قوله - صلى الله عليه وسلم -: «الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا».
٩ - ثم أنكر عليهم استبعاد نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم -، وطلبهم نبوة غيره من صناديد قريش، فقال:{أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ}{أَمْ}(١) منقطعة تقدر ببل وبهمزة الإنكار. والخزائن: جمع خزانة بالكسر بمعنى المخزن والمستودع؛ أي: بل أعندهم مفاتيح خزائن رحمة ربك يا محمد، {الْعَزِيزِ}؛ أي: الغالب الذي لا يغالب {الْوَهَّابِ}؛ أي: المعطي بغير حساب، أو الذي له أن يهب كل ما يشاء لمن يشاء، يتصرفون فيها حسبما يشاؤون، حتى يصيبوا بها من شاؤوا، ويصرفوها عمن شاؤوا، ويتحكموا فيها بمقتضى آرائهم، فيتخيروا للنبوة بعض صناديدهم. والمعنى: أن النبوة عطية من الله تعالى يتفضل بها على من يشاء من عباده، لا مانع له.
والمعنى: أي بل أيملكون خزائن رحمة الله، القهار لخلقه الكثير المواهب لهم، المصيب بها مواقعها، فيتصرفوا فيها بحسب ما يريدون، ويمنحوها من يشاؤون ويصرفوها عمن لا يحبون، ويتحكموا فيها بمقتضى آرائهم. فيتخيروا للنبوة بعض صناديدهم.
والخلاصة: أن أمر النبوة ليس بأيديهم، بل بيد العليم بكل شيء {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ}. ونحو الآية قوله: {قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفاقِ وَكانَ الْإِنْسانُ قَتُورًا (١٠٠)}.