من جهة إلى أخرى، تتقدم بتقدم العلم والاختراع من طيارات وسيارات، وقطر برية، وبواخر وسفن بحرية، وسبل متعددة لمداواة المرضى بالعقاقير المختلفة على يد نطس الأطباء إلى نحو ذلك، وكل ذلك يقتضي منكم الشكر الكثير، ولكن الشكر من العباد قليل كما قال:{وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ} ومن ثم عقب هذا بقوله: {قَلِيلًا ما تَشْكُرُونَ}؛ أي: وأنتم قليلوا الشكر على هذه النعم التي أنعمت بها عليكم لا كثيروه كثرة تناسب كثرة الانتفاع بها، فقد عبدتم سواي واتخذتم الأولياء والشفعاء من دوني.
وشكر النعمة يكون بمعرفة المنعم بها، ثم حمده والثناء عليه بما هو له أهل، ثم التصرف فيها بما يحبه ويرضاه وتحقيق الأغراض التي أسداها لأجلها، فهذه النعم المعيشة ما خلقت إلا لحفظ الحياة الروحية التي بها تزكو النفس، وتستعد للحياة الأخرى الأبدية التي فيها النعيم المقيم، والسعادة المستقرة إلى غير نهاية.
وبالجملة: فنعم الله على الإنسان كثيرة، فلا إنسان إلا ويشكر الله تعالى في بعض الأوقات على نعمه، وإنما التفاوت في أن بعضهم يكون كثير الشكر، وبعضهم يكون قليل الشكر.
١١ - وقوله:{وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ...} إلخ. تذكير (١) لنعمة عظيمة على آدم سارية إلى ذريته موجبة لشكرهم كافة؛ أي: وعزتي وجلالي لقد خلقنا أباكم آدم، وأوجدناه من العدم حين كان طينا غير مصور {ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ}؛ أي: ثم بعد خلقه صورناه حين كان بشرا بتخطيطه وشق حواسه، فالكلام على حذف مضاف كما قدرناه، فالخطاب لبني آدم، والمراد أبوهم، فهو من باب الخطاب لشخص مرادا به غيره. وقيل: الخطاب لآدم، فكأنه قال: ولقد خلقناك يا آدم، ثم صورناك، وإنما خاطبه بصيغة الجمع، وهو واحد تعظيما له، ولأنه أصل الجميع.
والمعنى: ولقد خلقنا مادة هذا النوع الإنساني من الصلصال والحماء المسنون؛ أي: من الماء والطين اللازب، فمنه خلق الإنسان الأول، ثم جعلنا