للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

في كونك قد صرت ميتًا بالغرق. وقيل: المراد ليكون طرحك على الساحل وحدك دون المغرقين من قومك آيةً من آيات الله يعتبر بها الناس أو يعتبر بها من سأل من الأمم إذا سمعوا ذلك حتى يحذروا من التكبر والتجبر، والتمرد على الله سبحانه، فإن هذا الذي بلغ إلى ما بلغ إليه من دعوى الإلهية، واستمر على ذلك دهرًا طويلًا، كانت له هذه العاقبة القبيحة.

وقرىء (١): {لمن خلفك} على صيغة الفعل الماضي بفتح اللام؛ أي: من الجبابرة والفراعنة، ليتعظوا بذلك ويحذروا أن يصيبهم ما أصابك إذا فعلوا فعلك. وقرأ ابن السميقع وأبو المتوكل وأبو الجوزاء {لمن خلقك} بالقاف من الخلق وهو الله، سبحانه وتعالى، أي: ليجعلك الله آية له في عباده.

{وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا} ودلائل قدرتنا التي توجب الاعتبار والتفكر في مصنوعاته، وتوقظ من سنة الغفلة {لَغَافِلُونَ}؛ أي: لساهون عمّا توجبه الآيات من التيقظ وهذه الجملة تذييلية؛ أي: وإن كثيرًا من الناس لفي غفلة عن حججنا وأدلتنا، على أن العبادة له وحده خالصةً، فهم يمرون عليها وهم عنها معرضون، فلا يتفكرون في أسبابها ونتائجها وحكم الله فيها، وفي ذلك إيماءٌ إلى ذم الغفلة وعدم التفكر في أسباب الحوادث وعواقبها، واستبانة سنن الله فيها، للعظة والاعتبار

٩٣ - {وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ} هذا من جملة ما عدد الله سبحانه وتعالى من النعم التي أنعم بها على بني إسرائيل؛ أي: وعزتي وجلالي لقد أنزلنا وأسكنا بني إسرائيل بعد ما أنجيناهم، وأهلكنا أعداءهم منزلًا صالحًا مرضيًّا، وهو منزلهم من بلاد الشام الجنوبية، وهي بلاد فلسطين والأردن. وقيل: أرض الشام ومصر، فالشام بلاد البركة والخصب، وأورثهم الله تعالى جميع ما كان تحت أيدي فرعون وقومه. وهذه الآية بمعنى قوله تعالى: {وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا}. والمبوأ اسم مكان أو مصدر، كما سيأتي في مبحث التصريف، وإضافته إلى الصدق على ما


(١) البحر المحيط وزاد المسير.