بنقل هؤلاء الأئمة حجةً، ولكن جعل ما في القرآن من هذا من التكلف الذي لا مجلىء إليه، ومن التعسف الواضح، وقد رد ابن عرفة ما قالوه فقال: إنما يقال: عبد يعبد فهو عبد، وقيل ما يقال: عابد، والقرآن لا يأتي بالقليل من اللغة ولا الشاذ. وقرأ الجمهور:{ولد} بفتح اللام بالإفراد، وقرأ أهل الكوفة إلا عاصمًا {ولد} بضم {الواو} وسكون اللام.
والمعنى: أي قل يا محمد لكفار قريش: إن ثبت ببرهان صحيح توردونه، وحجة واضحة تدلون بها، أن للرحمن ولدًا كنت أنا أسبقكم إلى طاعته والانقياد له، كما يعظم الرجل ابن الملك تعظيمًا لأبيه، ولا شك أن هذا أبلغ أسلوب في نفي الولد، كما يقول الرجل لمن يناظره ويجادله: إن ثبت ما تقول بالدليل، فأنا أول من يعتقده، ويقول به، وهذا ما اختاره ابن جرير ورجحه.
٨٢ - ثم نزه سبحانه نفسه، فقال:{سُبْحَانَ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}؛ أي: تنزيها له وتقديسًا عما يقولون من الكذب، بأن له ولدًا، ويفترون عليه سبحانه ما لا يليق بجنابه، وهذا إن كان من كلام الله سبحانه، فقد نزه نفسه عما قالوه، وإن كان من تمام كلام رسوله - صلى الله عليه وسلم -، الذي أمره بأن يقوله .. فقد أمره بأن يضم إلى ما حكاه عنهم، بزعمهم الباطل، تنزيه ربه وتقديسه، وفي إضافة اسم الرب إلى أعظم الأجرام وأقواها، تنبيه على أنها وما فيها من المخلوقات حيث كانت تحت ملكوته وربوبيته، كيف يتوهم أن يكون شيء منها جزءًا منه سبحانه {رَبِّ الْعَرْشِ} في تكرير اسم الرب، تفخيم لشأن العرش {عَمَّا يَصِفُونَ}؛ أي: يصفونه به، وهو الولد، قال في "بحر العلوم" أي: سبحوا رب هذه الأجسام العظام؛ لأن مثل هذه الربوبية توجب التسبيح على كل مربوب فيها، ونزهوه عن كل ما يصفه الكافرون به من صفات الأجسام، فإنه لو كان جسمًا لم يقدر على خلق هذا العالم، وتدبير أمره.
والمعنى: أي تنزه مالك السموات والأرض وما فيهما من الخلق، ورب العرش المحيط بذلك كله، عما يصفه به المشركون كذبًا، وعما ينسبون إليه من الولد إذ كيف تكون هذه العوالم كلها ملكًا له، ويكون شيء منها جزءًا منه، تعالى ربنا عن ذلك علوًا كبيرًا.