ينزل ناحيةً من الناس، فخاف أن ينزلوا به مكروهًا لامتناعهم من طعامه، ولم يعرف أنهم ملائكة. وقيل: إن إبراهيمَ عرف أنهم ملائكة، وإنما خَافَ أَنْ يكونوا نزلوا بعذاب قومه، فخاف من ذلك. والأقرب: أَنَّ إبراهيمَ عليه السلام لم يعرف أنهم ملائكةً في أول الأمر، ويدل على صحة هذا أنه عليه السلام قدمَ إليهم الطعام، ولو عرف أنهم ملائكة لما قدمه إليهم، لعلمه أن الملائكةَ لا يأكلونَ ولا يشربون، ولأنه خافهم، ولو عرف أنهم ملائكة .. لما خافهم، فلما عرف الملائكة خَوفَ إبراهيم منهم بأمارات تدل عليه كظهور أثره على وجهه، أو بكلام من إبراهيم يدل على خوفه كما قال في سورة الحجر:{إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ}. فلا يقال: الغيب لا يعلمه إلا الله تعالى، فمن أينَ علمت الملائكة إخفاءه للخيفة. {قَالُوا}؛ أي: قالتَ الملائكة لإبراهيم {لَا تَخَفْ} منَّا يا إبراهيم فنحن لا نريد بك سوءًا {إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ} بالعذاب؛ أي: وإنما نحنُ ملائكة الله أرسلنا إلى قوم لوط خاصة لإهلاكهم، وكانت دِيارهم قريبةً من دياره، وما أرسلنا إلى قومك، فكُنْ طيبَ النفس، وكان لوط أخا سارة، أو ابنَ أخي إبراهيم عليهما السلام،
٧١ - {وَامْرَأَتُهُ} سارة بنت هاران بن ناخور، وهي ابنة عمه {قَائِمَةٌ} وراءَ الستر بحيث تسمع محاوراتهم، أو على رؤوسهم للخدمة، وكانت نساؤهم لا تحجب كعادة الأعراب، ونازلة البوادي والصحراء، ولم يكن التبرج مكروهًا، وكانت عجوزًا، وخدمة الضيفان مما يعدُّ من مكارم الأخلاق.
وجاء في شريعتنا مثل هذا في حديث أبي أسيد الساعدي، وكانت امرأته عروسًا فكانت خَادِمَة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ومن حضر معه من أصحابه. والجملة الاسمية حال من ضمير قالوا: أي: قالوا لإبراهيم لا تخف في حال قيام امرأته. {فَضَحِكَتْ} امرأة إبراهيم سرورًا بالأمن من الخوف، أو لقرب عذاب قوم لوط لكراهتها لسيرتهم الخبيثة. قال الجمهور: هو الضحك المعروف، فقيل: هو مجاز معبر به عن طلاقة الوجه، وسرورها بنجاة أخيها وهلاك قومه. وقال مجاهد، وعكرمة، فضحكت، حَاضَتْ عند فرحها بالسلامة من الخوف، فلما ظهر حيضها بشرت بحصول الولد. قال الزمخشري (١): وفي مصحف عبد الله: