للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

{وامرأته قائمة وهو قاعد}. وقال ابن عطية: وفي قراءة ابن مسعود: {وهي قائمة وهو جالس} ولم يتقدم ذِكرُ امرأة إبراهيم، فيُضْمَرُ لكنه يفسره سياق الكلام. وقرأ محمَّد بن زياد الأعرابي، رجل من قراء مكة {فضحكت} بفتح الحاء. قال المهدوي، وفتح الحاء غير معروف. {فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ}؛ أي: فعقبنا سرورها بسرور أتم منه على ألسنة رسلنا، وإسحاق بالعبرانية الضحاك، وولد إسحاق بعد البشارة بسنة، وكانت ولادته بعد إسماعيل بأربع عشرةَ سنةً. {وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ}؛ أي: ووهبنا لها من بعد إسحاق {يَعْقُوبَ} ولدَ إسحاق، فهو من عطف جملة على جملة، ولا يكون يعقوب على هذا مبشَّرًا به، وبشِّرَت من بين أولاد إسحاق بيعقوب؛ لأنها رأَتْهُ، ولم تَرَ غَيْرَه، وهذه البشارة لسارة كانت وهي بنت تسعٍ وتسعينَ سنةً، وإبراهيم ابن مئة سنة.

واعلم: أنه لما ولد لإبراهيم إسماعيل من هاجر، تمَنَّتْ سَارةُ أن يكون لها ابن، وأيست لكبر سنها، فبُشِّرَت بولد يكون نبيًّا، ويلد نبيًّا، فكان هذا بشارة لها بأن ترى ولدَ ولدها، وإنما بشروها دونَه؛ لأن المرأَة أعجل فرحًا بالولد، ولأن إبراهيمَ بشروه، وأمنوه من خوفه، فأتبعوا بشارَتَه ببشارتها. وقال في "التبيان" (١): أي بشروها بأنها تلد إسحاق، وأنها تعيش إلى أن ترى وَلَد الولد، وهو يعقوب ابن إسحاق. والاسمان (٢) يحتمل وقوعهما في البشارة، كيحيى حيث سمي به في البشارة قال الله تعالى: {إنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى}. ويحتمل وقوعهما في الحكاية بعد أن ولدا فسميا بإسحاق ويعقوب، وتوجيه البشارة إليها لا إليه، مع أنه الأصلُ في ذلك للدلالة على أنَّ الولدَ المبشرَ به يكون منها, ولأنها كانت عَقِيمَةً حريصةً على الولد، وكان لإبراهيم ولدُه إسماعيل من هاجر، ولأنَّ المرأةَ أشدُّ فرحًا بالولد.

وقال ابن عباس ووهب: فضحكت تعجبًا من أن يكون لها ولد على كبر سنها، وسن زوجها، وعلى هذا تكون الآية من التقديم والتأخير، تقديره: وامرأته قائمةٌ فبشرناها بإسحاق، ومِن وراءِ إسحاقَ يعقوب، فضحكت كما في "بحر


(١) روح البيان.
(٢) روح البيان.