للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والمعنى: أي ليس لكم حصن تتحصنون فيه، ولا تستطيعون إنكار ما اجترحتموه من السيئات؛ لأنه قد كتب في صحفكم، وتشهد به ألسنتكم وجوارحكم، ونحو الآية قوله تعالى: {يَقُولُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ (١٠) كَلَّا لَا وَزَرَ (١١) إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ (١٢)}

٤٨ - وقوله: {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا} تحفظ أعمالهم حتى تحاسبهم عليها, ولا موكلًا بهم رقيبًا عليهم، تلوين للكلام، وصرف له عن خطاب الناس بعد أمرهم بالاستجابة، وتوجيه منه إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - أي: فإن لم يستجيبوا وأعرضوا عما تدعوهم إليه، فما أرسلناك رقيبًا ومحاسبًا عليهم، وحافظًا لأعمالهم {إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ}؛ أي: ما يجب عليك إلا تبليغ الرسالة، وقد فعلت فلا يهمنك إعراضهم، وهذا منسوخ بآية السيف.

والمعنى: أي فإن أعرض هؤلاء المشركون عما أتيتهم به من الحق، ودعوتهم إليه من الرشد، ولم يستجيبوا لك، وأبوا قبوله منك، فدعهم وشأنهم، فإنا لم نرسلك رقيبًا عليهم، تحفظ أعمالهم وتحصيها، فما عليك إلا أن تبلغهم، ما أرسلناك به إليهم، فإذا أنت بلغته فقد أديت ما كلفت به، ونحو الآية {لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ (٢٢)} وقوله: {لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ}، وقوله: {فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ}.

قال الغزالي رحمه الله تعالى في "شرح الأسماء": الحفيظ من العباد: من يحفظ جوارحه وقلبه، ويحفظ دينه من سطوة الغضب، وخلابة الشهوة وخداع النفس وغرور الشيطان، فإنه على شفا جرف هار، وقد اكتنفته هذه المهلكات المفضية إلى النار، وقد عرف كلها من لسان الشارع - صلى الله عليه وسلم -، فليسارع العبد إلى دفع الموبقات، وجلب المنجيات بإصلاح النفس، والتخلق بالأخلاق الإلهية، فإن النفس طاغية مؤدية إلى الإفلاس والخسار.

وبعدئذٍ ذكر طبيعة الإنسان، وغريزته في هذه الحياة، فقال: {وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ}؛ أي: إذا أعطينا الإنسان {مِنَّا رَحْمَةً}؛ أي: نعمة صادرة من جهتنا، كالصحة والغنى {فَرِحَ بِهَا} بطرًا لأجلها والمراد بالإنسان: الجنس لا الواحد، ولهذا قال: {وَإِنْ تُصِبْهُمْ}؛ أي: الإنسان {سَيِّئَةٌ}؛ أي: بلاءً وشدة ومرض