تقدر أن تنفع بمواعظ الله وحججه من كان ميت القلب، لا يستطيع فهم كتابه ومعرفة مغازي الدين وأسراره.
والخلاصة: كما لا ينتفع الأموات بعد أن صاروا إلى قبورهم، وهم كفار بالهداية والدعوة إليها، كذلك هؤلاء المشركون لا حيلة لك فيهم، ولا تستطيع هدايتهم،
٢٣ - ثم بين عمل الرسول ووظيفته فقال:{إِنْ أَنْتَ}؛ أي: ما أنت يا محمد {إِلَّا نَذِيرٌ}؛ أي: رسول منذر بالنار والعقاب ومخوف، وأما الإسماع البتة فليس من وظائفك ولا حيلة لك إليه في المطبوع على قلوبهم الذين هم بمنزلة الموتى. والمعنى: أي: ما أنت إلا رسول منذر عقاب الله لهؤلاء المشركين الذين طبع على قلوبهم، ولم تكلَّف هدايتهم وقبولهم ما جئتهم به، فإن ذلك بيده تعالى لا بيدك ولا بيد غيرك، فلا تذهب نفسك عليهم حسرات إن هم لم يستجيبوا لك.
تنبيه: قوله (١): {إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ}، وقوله:{إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ}، وقوله:{لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} وغير ذلك لتمييز مقام الألوهية عن مقام النبوة كيلا يشتبها على الأمة فيضلوا عن سبيل الله، كما ضل بعض الأمم السالفة، فقال بعضهم: عزير ابن الله، وقال بعضهم: المسيح ابن الله، وذلك من كمال رحمته لهذه الأمة وحسن توفيقه.
قال بعضهم: فإن قلت: إنه قد ثبت أنه - صلى الله عليه وسلم - أمر يوم بدر بطرح أجساد الكفار في القليب، ثم ناداهم بأسمائهم، وقال:"هل وجدتم ما وعد الله ورسوله حقًا، فإني وجدت ما وعدني الله حقًا؟ ". فقال عمر رضي الله عنه: يا رسول الله، كيف تكلم أجسادًا لا أرواح فيها؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، غير أنهم لا يستطيعون أن يردوا شيئًا" فهذا الخبر يقتضي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أسمع من في القليب، وهم موتى، فيعارض هذه الآية، فما وجه الجمع بينهما؟
قلتُ: يحمل الخبر على أن الله تعالى أحيى أهل القليب حينئذ حتى سمعوا كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توبيخًا لهم، وتصغيرًا ونقمة وحسرة، وإلا فالميت من حيث هو ميت ليس من شأنه السماع، فقد أسمع الرسول - صلى الله عليه وسلم - سماع الله تعالى، وإلا فليس