للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

التقليد للجهلة هوى، فكما أن أهل الهدى منصورون أبدًا، فكذا أهل الهوى، مخذولون سرمدًا وإلى أن الخذلان واتباع الهوى من عقوبات الله المعنوية في الدنيا، فلا بد من قرع باب العفو بالتوبة، والسلوك إلى طريق التحقيق، والإعراض عن الهوى والبدعة، فإنهما شر رفيق.

٣٠ - ثم أمر الله سبحانه رسوله - صلى الله عليه وسلم - بتوحيده وعبادته فقال: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ}؛ أي: قوم ذاتك وعدلها واصرفها {لِلدِّينِ} الحنيفي، وأقبل بكليتك عليه، غير ملتفت عنه يمينًا وشمالًا، أو أخلص عملك لله تعالى، وهذا تمثيل (١) لإقباله على الدين، واستقامته عليه، واهتمامه بأسبابه، فإن من اهتم بالشيء .. عقد عليه طرفه، وسدد إليه نظره، وقوم له وجهه.

و {الفاء} فيه: فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر، تقديره: إذا كان (٢) حال المشركين اتباع الهوى، والإعراض عن الهدى .. فقوم وجهك يا محمد للدين الحق، الذي هو دين الإِسلام، وعدله غير ملتفت يمينًا وشمالًا، أو سدد وجهك نحو الوجه الذي وجهك إليه ربك لطاعته، وهو الدين القيم دين الفطرة.

وقوله: {حَنِيفًا} حال من فاعل {أَقِمْ}؛ أي: حال كونك مائلًا إليه عن سائر الأديان، مستقيمًا عليه لا ترجع عنه إلى غيره، ويجوز أن يكون حالًا من {الدِّينِ}؛ أي: حال كون ذلك الدين قويمًا لا اعوجاج فيه، وقال بعضهم: في الآية الوجه، ما يتوجه إليه، وعمل الإنسان ودينه مما يتوجه الإنسان إليه، لتسديده وإقامته، والمعنى عليه: أخلص دينك، وسدد عملك مائلًا إليه عن جميع الأديان المحرفة المنسوخة.

والخطاب عام للنبي - صلى الله عليه وسلم - ولجميع الأمة، والإفراد في {أَقِمْ} لما أن الرسول إمام الأمة، فأمره مستتبع لأمرهم، وقوله: {فِطْرَتَ اللَّهِ} منصوب على الإغراء؛ أي: الزموا أيها الناس فطرت الله سبحانه؛ أي: دينه وتوحيده، وترسم


(١) النسفي.
(٢) روح البيان.