تَدُوسوه، وتفصلوه عن سنبله، لئلا يأكله السُّوسُ كما هو شأن غلال مصر، ونواحيها، فإن ذلك أبقى له على طول الزمان. {إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ} في هذه السنين المخصبة؛ فإنه لا بدَّ لكم من فصله عن سنبله وإخراجه عنها، وقتَ حاجتكم إليه، واقتصر على استثناء المَأْكُول دونَ ما يحتاجون إليه من البذر الذي يبذرونه في أموالهم؛ لأنه قد علم من قوله:{تَزْرَعُونَ}. وفيه إرشاد منه عليه السلام إلى التقليل في الأكل. وقرأ السلمي:{مما يأكلون} بالياء على الغيبة؛ أي: يأكل الناس، وهذا تأويل السبع السمان، والسبع الخضر.
٤٨ - {ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ}؛ أي: من بعدِ السبع السنين المخصِبَة {سَبْعٌ شِدَادٌ}؛ أي: سبع سنين مجدبة يصعب أمرها على الناس، وهذا تأويل السبع العجاف، والسبع اليابسات، {يَأْكُلْنَ}؛ أي: يأكل أهلُهُنَّ؛ أي: يأكل أهل السبع الشداد فيهن {مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ}؛ أي: ما ادَّخرتم لأجلهن مِن الحبوب المتروكة في سَنَابِلِها. وإسناد الأكل إلى السنين مجاز، فهو من باب نهارُه صائمٌ؛ أي: تأكلون الحَبَّ المزروعَ وَقْتَ السنين المخصبة المتروك في سنبله في السنين المجدبة. {إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ}؛ أي: مما تَحْبِسُون من الحب لتزرعوا به, لأن في استبقاء البذر تحصين الأَقْوات. وقال أبو عبيدة: معنى تُحْصِنُون تُحْرِزُون. وقيل: تَدَّخِرُون للبَذْرِ. والمعنى واحدٌ: فَأَكْلُ ما جُمِع أيامَ السنين المخصبة في السنين المجدبة، تأويل ابتلاع العجاف السمان.
٤٩ - {ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ}؛ أي: من بعد ما ذُكِرَ من السنين المجدبات {عَامٌ}؛ أي: سنة {فِيهِ}؛ أي: في ذلك العام {يُغَاثُ النَّاسُ}؛ أي: يمطر الناسُ، وينقذون فيه من كرب الجدب بالغيث {وَفِيهِ}؛ أي: وفي ذلك العام {يَعْصِرُونَ} ما منْ عادته أن يُعْصَر كالعنب، والقصب، والزيتون، والسمسم، ونحوها من الفواكه لِكَثْرَتِها.
وقيل: معنى {يَعْصِرُونَ}: يَحْلِبون الضُّروعَ. وقيل معناه: يمطرون. وقيل معناه: ينجون من الشدة. وعلى هذين المعنيَيْنِ يقرأ بالبناء للمفعول. قال