للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أمورنا مفوض {إِلَيْكِ} أيتها الملكة، وموكول إلى رأيك ونظرك. {فَانْظُرِي} وفكري {مَاذَا تَأْمُرِينَ} وتشيرين علينا؛ أي: تأملي ماذا تأمرينا به سامعون لأمرك، مطيعون له، فمري بنا بأمرك.

وفيه إشارة إلى أن شرط أهل المشاورة أن لا يحكموا على الرئيس المستشير بشيء، بل يخيرونه فيما أراد من الرأي الصائب، فلعله أعلم بصلاح حاله منهم،

٣٤ - فلما أحست منهم الميل إلى الحرب، والعدول عن سنن الصواب، بادعائهم القوى الذاتية والعرضية لم ترض به، لما علمت أن من سخر له الطير على هذا الوجه لا يعجزه شيء يريده، ومالت إلى الصلح، وبينت السبب في رغبتها فيه. {قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً} من القرى، ومدينة من المدن على منهاج الحراب والقتال.

قال الزجاج: أي إذا دخلوها عنوة عن قتال وغلبة {أَفْسَدُوهَا} أي (١): خربوا مبانيها، وغيروا مغانيها، وأتلفوا أموالها، وفرقوا شمل أهلها {وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً}؛ أي: ذليلين بالقتل والأسر، والإجلاء وغير ذلك من أنواع الإهانة والإذلال؛ أي: أهانوا أشرافها، وحطوا مراتبهم، فصاروا عند ذلك أذلة. وإنما يفعلون ذلك لأجل أن يتم لهم الملك، وتستحكم لهم الوطأة، وتتقرر لهم في قلوبهم المهابة، والمقصود من قولها هذا تحذير قومها من مسير سليمان إليهم، ودخوله بلادهم، وقد صدقها الله سبحانه فيما قالت، فقال سبحانه: {وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ}؛ أي: مثل ذلك الفعل من الإفساد، وجعل الأعزة أذلة يفعلون؛ أي: وكما قالت هي تفعل الملوك.

قال ابن الأنباري: الوقف على قوله: {وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً} وقف تام. فقال الله عَزَّ وَجَلَّ تحقيقًا لقولها: {وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ} وقيل (٢): هذه الجملة من تمام كلامها، ذكرته توكيدًا لما وصفته من حال الملوك، وتقريرًا بأن ذلك من عادتهم المستمرة؛ أي: إن الذين أرسلوا الكتاب يفعلون مثل الذي تفعله الملوك،


(١) الشوكاني.
(٢) المراح.