وفي الآية: إشارة إلى أنَّ دحو الأرض كان بعد خلق السماء؛ لأنّ بناء البيت يكون قبل الفرش، وهذا ما يثبته العلم الحديث الآن. وقد تقدم ذكر ذلك غير مرّة.
ثم مدح سبحانه نفسه على ما صنع، فقال:{فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ}؛ أي: فنعم ما فعلنا، وأجمل ما خلقنا مما فيه عظة لمن يتذكر ويتدبر.
٤٩ - {وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ}، أي: من أجناس الموجودات. فالمراد بالشيء: الجنس. وقيل: من الحيوان {خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ}؛ أي: صنفين ونوعين مختلفين كالذكر والأنثى، والسماء والأرض، والليل والنهار، والشمس والقمر، والصيف والشتاء، والبر والبحر، والسهل والجبل، والإنس والجن، والنور والظلمة، والأبيض والأسود، والدنيا والآخرة، والإيمان والكفر، والسعادة والشقاوة، والحق والباطل، والحلو والمر، والموت والحياة، والرطب واليابس، والجامد والنامي، والناطق والصامت، والجود والبخل، والعزّ والذلّة، والعرش والكرسي، واللوح والقلم، إلى غير ذلك مما لا يدخل تحت حصر.
وفي قوله:{وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ} تنبيه على أن الأشياء كلها مركبة من جوهر وعرض، ومادّة وصورة، وأن لا شيء يتحرى منها، إذ الأشياء كلها مركبة من تركيب يقتضي كونه مصنوعًا. وأنه لا بد له من صانع تنبيهًا على أنه تعالى هو الفرد وإنما ذكر هاهنا {زَوْجَيْنِ} تنبيهًا على أنه وإن لم يكن له ضد، ولا مثل فإنه لا ينفك من تركب صورة ومادة، وذلك زوجان. قال الخراز رحمه الله: أظهر معنى الربوبية والوحدانية بأن خلق الأزواج ليخلص له الفردانية.
{لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}؛ أي: فعلنا ذلك كله من البناء، والفرش، وخلق الأزواج كي تتذكروا فتعرفوا أنه خالق الكل، ورازقه، وأنه المستحق للعبادة، وأنه قادر على إعادة الجميع. فتعملوا بمقتضاه.
والمعنى: أي وإنا خلقنا لكل ما خلقنا من الخلق ثانيًا له مخالفًا له في مبناه والمراد منه، وكل منهما زوج للآخر. فخلقنا السعادة والشقاوة، والهدى والضلال إلى غير ذلك لتتذكروا، وتعتبروا، فتعلموا أنَّ الله ربكم الذي ينبغي لكم أن تعبدوه وحده، لا شريك له، هو الذي يقدر على خلق الشيء وخلافه، وابتداع زوجين من كل شيء، لا ما لا يقدر على ذلك.