فهو سبحانه الغني عنكم في كل أمر، {وَهُوَ القَاهِرُ فوقَ عِبَادِهِ}، وكل من في السموات والأرض مسخر بأمره، ولكن جعل للبشر شيئًا من الاختيار، ليكون حجة عليهم فيما سيلقون من الجزاء على أعمالهم، وإنما تضرون أنفسكم بترككم الجهاد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإما عائد على محمَّد؛ أي: ولا تضروا محمدًا - صلى الله عليه وسلم - شيئًا من الضرر، فإن الله ناصره على أعدائه ولا يخذله {وَاللَّهِ} سبحانه وتعالى {عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} أي: والله سبحانه قادر على كل شيء فهو ينصر نبيه ويعز دينه، وقادر على إهلاككم والإتيان بغيركم إن أصررتم على عصيان رسوله، وتثاقلتم عن الدفاع عن حوزة دينه، ممن يجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم، ولا يخشون في الحق لومة اللائمين، كما قال:{وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ}.
٤٠ - ثم رغبهم ثانية في الجهاد، فأبان لهم أنه تعالى المتكفل بنصره على أعداء دينه، أعانوه أو لم يعينوه، وهو قد فعل ذلك به، وهو في قلة من العدد والعدو في كثرة، فكيف وهو من العدد في كثرة، والعدو في قلة، فقال:{إِلَّا تَنْصُرُوهُ}؛ أي: إن لم تنصروا الرسول الذي استنصركم في سبيل الله على من أرادوا قتاله من أعداء الله، وأعداء رسوله {فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ} سبحانه وتعالى؛ أي: فسينصره الله بقدرته وتأييده؛ كما نصره {إذ أخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا}؛ أي: حين أجمع المشركون على القتل به واضطروه إلى الخروج والهجرة، حال كونه {ثَانِىَ اَثْنَيْنِ}؛ أي: أحد اثنين والآخر أبو بكر الصديق، وقرأت (١) فرقة: {ثاني اثنين} بسكون ياء {ثاني} قال ابن جني: حكاها أبو عمرو ووجهه: أنه سكن الياء تشبيهًا لها بالألف وقوله: {إِذْ هُمَا فِي الغَارِ} بدل من قوله: {إذْ أخْرَجَهُ} بدل بعض، والغار ثقب في الجبل المسمى ثورًا، وهو المشهور بغار ثور، وهو جبل قريب من مكة؛ أي: فقد نصره الله إذ هما في غار جبل ثور، وقوله:{إذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ} بدل ثانٍ؛ أي: حين يقول محمَّد - صلى الله عليه وسلم -، لصاحبه في الغار، وهوأبو بكر الصديق، لمَّا رأى منه أمارة الحزن {لَا تَحْزَنْ} ولا تخف