واستفظاع مآلهم، وشناعة أمرهم ما لا يخفى. وعن سعيد بن جبير أن ابن مسعود رضي الله عنه قال: يحاسب الله الناس يوم القيامة، فمن كانت حسناته أكثر من سيئاته بواحدة .. دخل الجنة، ومن كانت سيئاته أكثر من حسناته بواحدة .. دخل النار، ثم قرأ قول الله تعالى:{فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ ...} الآيتين، ثم قال: إن الميزان يخفف بمثقال حبة ويرجح، ومن استوت حسناته وسيئاته .. كان من أصحاب الأعراف، فوقفوا على الصراط، ثم عرض أهل الجنة وأهل النار، فإذا نظروا إلى أهل الحنة قالوا سلام عليكم، وإذا صرفت أبصارهم إلى يسارهم رأوا أهل النار فقالوا:{رَبَّنا لا تَجْعَلْنا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} نعوذوا بالله من منازلهم.
قال: فأما أصحاب الحسنات، فإنهم يعطون نورا يمشون به بين أيديهم وبأيمانهم، ويعطي كل عبد يومئذ نورا، وكل أمة نورا، فإذا أتوا على الصراط سلب الله نور كل منافق ومنافقة، فلما رأى أهل الجنة ما لقي المنافقون {يَقُولُونَ رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا} وأما أصحاب الأعراف، فإن النور كان في أيديهم، فلم ينزع من أيديهم، فهنالك يقول الله تعالى:{لَمْ يَدْخُلُوها وَهُمْ يَطْمَعُونَ} فكان الطمع دخولا قال سعيد: فقال ابن مسعود: على أن العبد إذا عمل حسنة كتب له بها عشر، وإذا عمل سيئة لم تكتب إلا واحدة، ثم قال: هلك من غلب وحدانه أعشاره. اه.
٤٨ - {وَنادى أَصْحابُ الْأَعْرافِ رِجالًا} من أهل النار كانوا عظماء في الدنيا، وهذا نداء آخر من بعض أصحاب الأعراف لبعض المستكبرين الذين كانوا يعتزون في الدنيا بغناهم وقوتهم، ويحتقرون ضعفاء المؤمنين لفقرهم وضعف عصبيتهم، أو لحرمانهم من عصبية تمنعم وتذود عنهم، ويزعمون أن من أغناه الله، وجعله قويا في الدنيا فهو الذي يكون له نعيم الآخرة كما قال تعالى: {وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قالَ مُتْرَفُوها إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ (٣٤) وَقالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوالًا وَأَوْلادًا وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (٣٥)}. ومن هؤلاء زعماء قريش وطغاتها الذين قاوموا الإسلام في مكة، وعذبوا أهله كأبي جهل، والوليد بن المغيرة، والعاص بن وائل.
أي: نادى أصحاب الأعراف رجالا من أهل النار {يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيماهُمْ}؛ أي: يعرف أصحاب الأعراف أولئك الرجال بسيماهم وعلاماتهم كسواد الوجوه وزرقة