للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الصَّادِقِينَ} في دعواك النبوة؛ أي: فإن كنت صادقًا في دعواك الرسالة، فأنزل علينا من السحاب قطعًا يكون فيها العذاب لنا.

وقرأ حفص (١): {كِسَفًا} بفتح السين، والباقون بالسكون. وهذا شبيه بما قالته قريش لنبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - فيما حكى الله عنهم بقوله: {وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا (٩٠)} إلى أن قالوا: {أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا}، وقوله: {وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (٣٢)}.

١٨٨ - وإنما طلبوا ذلك لتصميمهم على التكذيب واستبعادهم وقوعه، فعند ذلك فوض شعيب عليه السلام أمرهم إلى الله فـ {قَالَ رَبِّي أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ (١٨٨)} من تطفيف الكيل والميزان, فيجازيكم به، فإن شاء عجل لكم العذاب، وإن شاء أخره إلى أجل معلوم، وليس العذاب إليّ، وما علي إلا الدعوة والتبليغ، وأنا مأمور به، فلم أنذركم من تلقاء نفسي، ولا أدعي القدرة على عذابكم، وأمره إلى الله تعالى، فينزله في وقته المقدر له لا محالة.

١٨٩ - {فَكَذَّبُوهُ}؛ أي: فأصروا على تكذيبه بعد وضوح الحجة، وانتفاء الشبهة. {فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ} والسحابة التي أقامها الله سبحانه فوق رؤوسهم حتى أظلتهم، فأمطرت عليهم نارًا فهلكوا، وقد أصابهم الله سبحانه بما اقترحوا؛ لأنهم إن أرادوا بالكسف القطعة من السحاب فظاهر، وإن أرادوا بها القطعة من السماء .. فقد نزل عليهم العذاب من جهتها.

وفي إضافة العذاب إلى يوم الظلة (٢)، لا إلى الظلة نفسها إيذان بأن لهم يومًا آخر غير هذا اليوم، كالأيام السبعة مع لياليها التي سلط الله فيها عليهم الحرارة الشديدة، وكان ذلك من علامة أنهم يؤخذون بجنس النار؛ أي: في (٣) تلك الإضافة إعلام بأن لهم عذابًا آخر غير عذاب السحاب، كما روي أن الله


(١) المراح.
(٢) روح البيان.
(٣) المراح.