للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

اختاروا {العذاب} في الآخرة الذي سببه كتمان الحق؛ للأغراض الدنيوية {بِالْمَغْفِرَةِ}؛ أي: بدل المغفرة والجنة التي سببها إظهار ما أنزل الله تعالى، والمعنى: إنهم اختاروا الضلالة على الهدى، واختاروا العذاب على المغفرة؛ لأنهم كانوا عالمين بالحق، ولكن كتموه، وأخفوه، وكان في إظهاره الهدى والمغفرة، وفي كتمانه الضلالة والعذاب، فلما أقدموا على إخفاء الحق وكتمانه .. كانوا بائعين الهدى بالضلالة، والمغفرة بالعذاب.

{فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ}؛ أي: فما (١) الذي صَبَّرهم، وأيُّ شيءٍ جسرهم وأجرأهم وأدومهم على عمل أهل النار حتى تركوا الحق واتبعوا الباطل؟ فهو استفهام بمعنى التوبيخ لهم، وقيل: إنه بمعنى التعجب من حالهم في التباسهم بموجبات النار من غير مبالاة منهم، فلما أقدموا على ما يوجب النار مع علمهم بذلك .. صاروا كالراضين بالعذاب، والصابرين عليه، فتعجب من حالهم بقوله: {فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ} والمراد (٢) تعجيب المخلوقين من حال هؤلاء الذين باشروا الأسباب الموجبة لعذاب النار، فكأنهم بهذه المباشرة للأسباب صبروا على العقوبة في نار جهنم.

١٧٦ - {ذَلِكَ} العذاب المذكور مستحق لهم {بِأَنَّ اللَّهَ}؛ أي: بسبب أن الله سبحانه وتعالى {نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ}؛ أي: أنزل كتابه - التوراة - ببيان الحق الذي منه نعت محمد - صلى الله عليه وسلم -، فكتموا وحرفوا ما فيه، وأرادوا ستر الحق وغلبته، والحق لا يغالب، فمن غالبه غُلِب.

{وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ}؛ أي: اختلفوا في تأويله ومعانيه، فحرفوها وبدلوها، وقيل: آمنوا ببعض وكفروا ببعض. {لَفِي شِقَاقٍ}؛ أي: خلاف ومنازعة {بَعِيدٍ} عن الحق والصواب مستوجب لهم أشد العذاب.


(١) الخازن.
(٢) شوكاني.