للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

تعالى أمر الأرض بعد الطوفان فابتلعت ماءها، وبقي ماء السماء لم تبتلعه الأرض. فهذه البحور على وجه الأرض منها، وأما البحر المحيط، فغير ذلك، بل هو جرز عن الأرض، حين خلق الله الأرض من زبده .. وإليه الإشارة بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "وكان عرشه على الماء"؛ أي؛ العذب. والبحور سبعة. منها: البحر المحيط. وبعضهم لم يعد منها البحر المحيط، بل هو غير السبعة. وكان نوح عليه السلام نجارًا، فجاء جبريل، وعلمه صنعة السفينة.

{فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ}؛ أي: من معتبر بتلك الآية الحقيقة بالاعتبار، فيخاف من الله، ويترك المعصية. وأصله: مذتكر بوزن مفتعل، كما سيأتي في مبحث التصريف؛ أي: فهل من متعظ ومعتبر يتعظ بهذه الآية ويعتبر بها.

والمعنى (١): أي ولقد جعلنا السَّفينة التي حملنا فيها نوحًا ومن معه عبرة لمن بعده من الأمم ليدبروا، ويتعظوا، ويرعووا أن يسلكوا مسلكهم، وينهجوا منهجهم في الكفر بالله، وتكذيب رسله. فيصيبهم مثل ما أصابهم من العقوبة. وقد رووا أنَّ الله حفظها آمادًا طويلة بأرض الجزيرة على جبل الجودي، كما مر. فهل من معتبر بتلك الآية الحرية بالاعتبار، الجديرة بطويل التفكير والتأمل في عواقب المكذبين برمل الله، الجاحدين بوحدانيته المتخذين له الأنداد والأوثان.

١٦ - ثم بين سبحانه شديد نكاله، وعقابه فقال: {فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي} الذي عذبتهم به. {وَنُذُرِ}؛ أي: وكيف كان عاقبة إنذاري إياهم على لسان رسولي نوح عليه السلام؟ أي: كانا على كيفية هائلة، وحكمة بالغة، لا يحيط بها الوصف. والاستفهام فيه للتعظيم، والتهويل، والتعجيب. والنذر: جمع نذير بمعنى إنذار، كالنكر جمع نكير بمعنى إنكار. وأصله: نذري بالياء، حذفت اكتفاء عنها بالكسرة رعاية للفاصلة، ووحَّد (٢) العذاب وجمع الإنذارات إشارة إلى غلبة الرحمة على العذاب؛ لأنَّ الإنذار إشفاق ورحمة، فقال: فكيف إنذارتي التي هي نعم ورحمة تواترت عليهم. فلما لم تنفع تلك الإنذارات وقع العذاب عليهم وقعة واحدة، فكانت كثيرة، والنقمة واحدة.


(١) المراغي.
(٢) روح البيان.