للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والمعنى (١): أي أولئك هم جنود الشيطان وأعوانه، وإن جنده لهم الهالكون المغبونون في صفقتهم، إذ هم قد فوتوا على أنفسهم النعيم المقيم، واستبدلوا به العذاب الأليم، وليس من دأب العاقل أن يقبل مثل هذا لنفسه. أو: هم الكاملون في الخسران، حتى كأن خسران غيرهم بالنسبة إلى خسرانهم ليس بخسران؛ لأنهم باعوا الجنة والهدى بالضلالة والعذاب، وكذبوا على الله وعلى نبيه وحلفوا الأيمان الفاجرة في الدنيا والآخرة.

قال بعض المشايخ - بوأه الله الدرجات الشوامخ -: علامة استحواذ الشيطان على العبد: أن يشغله بعمارة ظاهره من المآكل والملابس والمراكب والمفارش، ويشغل قلبه عن التفكر في آلاء الله ونعمه عليه والقيام بشكرها، ويشغل لسانه عن ذكر ربه بالكذب واللغو والغيبة والبهتان، وسمعه عن الحق باستماع اللهو والملاهي والفيديو والتلافيز، كما هو ديدن أهل زماننا ودأب أهل عصورنا.

٢٠ - {إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ}، أي (٢): يعادونهما، ويخالفون أمرهما، ويتعدون حدودهما ويفعلون معهما فعل من ينازع آخر في أرض فيغلب على طائفة منها، فيجعل لها حدًا لا يتعداه خصمه.

ولما كانوا لا يفعلون ذلك إلا لكثرة أعوانهم وأتباعهم فيظن من رآهم أنهم الأعزاء الذين لا أحد أعزّ منهم .. قال تعالى نفيًا لهذا الغرور الظاهر: {أُولَئِكَ} الأباعد والأسافل بما فعلوا من المحادة {فِي الْأَذَلِّينَ}؛ أي: في جملة من هو أذل خلق الله من الأولين والآخرين، لا ترى أحدًا أذل منهم؛ لأن ذلة أحد المتخاصمين على مقدار عزة الآخر، حيث كانت عزة الله غير متناهية كانت ذلة من يحاده كذلك، وذلك بالسبي، والقتل في الدنيا وعذاب النار في الآخرة، سواء كانوا فارس والروم أو أعظم منهم، سوقة كانوا أو ملوكًا.

والمعنى: أي إن الذين يخالفون أوامر الله ونواهيه، ويمتنعون عن أداء ما فرض عليهم من فرائضه هم في جملة أهل الذلة؛ لأن الغلبة لله ولرسوله، وذلهم في الدنيا يكون بالقتل والأسر والإخراج من الديار، كما حصل للمشركين واليهود، وفي


(١) المراغي.
(٢) روح البيان.