للحاجة إليها، فكان من الحكمة عدم إجابتهم إلى ما طلبوا، ولم يكن ذلك بقادح في نبوّتهم، فلا عجب أن يقترح قومك عليك المعجزات التي لم يكن إظهارها صلاحًا ولا جرم، لم يجابوا إلى ما طلبوا لأنَّ المصلحة في عدم إجابتهم إليه، فإذا جاء أمر الله وهو عذابه ونكاله المحيط بالمكذبين .. قضي بالعدل، فنجّي رسله والذين امنوا معهم، وأهلك الذين افتروا على الله الكذب وجادلوا في آياته، وزعموا أن له شريكًا.
٧٩ - ثمّ امتنّ سبحانه على عباده بنوع من أنواع نعمه التي لا تحصى، فقال:{اللَّهُ} الذي يستحق منكم العبادة هو {الَّذِي جَعَلَ} وخلق {لَـ} أجلـ {كُمْ} ومصلحتكم {الْأَنْعَامَ}؛ أي: الإبل، جمع نعم بفتحتين، وهو في الأصل الماشية الراعية، والكثير استعماله في الإبل، وقيل: الأنعام: الأزواج الثمانية. كما سيأتي عن بعضهم {لِتَرْكَبُوا مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ}{من}: لابتداء الغاية، ومعناها: ابتداء الركوب، والأكل منها؛ أي: تعلقهما بها أو للتبعيض؛ أي: لتركبوا بعضها وتأكلوا بعضها، لا أن كلًّا من الركوب والأكل مختص ببعض معيّن منها، بحيث لا يجوز تعلقه بما تعلق به الآخر، بل على أن كل بعض منها صالح لكل منهما، وهذا أولى.
وتغيير (١) النظم في الجملة الثانية؛ لمراعاة الفواصل مع الإشعار بأصالة الركوب؛ لأنّ الغرض إنما يكون في المنافع، والركوب: متعلق بالمنفعة؛ لأنه إتلاف المنفعة، بخلاف الأكل، فإنه متعلق بالعين، لأنه إتلاف العين، ولا يقدح في ذلك كون الأكل أيضًا من المنافع، ولهذا جاء {لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا}.
٨٠ - {وَلَكُمْ فِيهَا}؛ أي: في الأنعام أيضًا {مَنَافِعُ} أخرى غير الركوب والأكل، كألبانها وأوبارها وجلودها، أو كالصوف والشعر والزبد والسمن والجبن وغير ذلك، وقوله:{وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْهَا حَاجَةً فِي صُدُورِكُمْ} معطوف على قوله: {لِتَرْكَبُوا مِنْهَا}، و {حَاجَةً}: مفعول {لِتَبْلُغُوا}؛ أي: ولتقضوا بها حاجة في قلوبكم، يحمل أثقالكم عليها من بلد إلى بلد {وَعَلَيْهَا}؛ أي: على الإبل في البر {وَعَلَى الْفُلْكِ}؛ أي: السفن في البحر {تُحْمَلُونَ} نظيره {وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ}.