ثم رغب في بقاء الرابطة الزوجية جهد المستطاع، فقال:{وَإِنْ تُحْسِنُوا} أيها الأزواج العشرة مع نسائكم، وإن كرهتموهن، بأن تسووا بين الشابة والعجوز في القسم والنفقة، {وَتَتَّقُوا} ما يؤدي إلى الأذى والخصومة من الجور والميل، وتجتنبوا أسباب النشوز والإعراض، وما يترتب عليهما من الشقاق .. {فَإِنَّ اللَّهَ} سبحانه يجازيكم على ذلك الإحسان والتقوى، ويثيبكم عليهما، لأنه تعالى:{كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ} من الإحسان وغيره {خَبِيرًا}؛ أي: عالمًا لا يخفى عليه شيء منه، فيجازيكم عليه الجزاء الأوفى، وكان عمران بن حطان الخارجي من أُدم الناس، وامرأته من أجملهن، فأجالت في وجهه نظرها، ثم تابعت الحمد لله، فقال: ما لَكِ؟ فقالت: حمدت الله على أني وإياك من أهل الجنة، قال: كيف؟ قالت: لأنك رزقت مثلي فشكرت، ورزقت مثلك فصبرت، وقد وعد الله الجنة الشاكرين والصابرين.
١٢٩ - ثم بين أن العدل بين النساء في الميل القلبي في حكم المستحيل، فعلى الرجل أن يفعل جهد المستطاع، فقال:{وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا}؛ أي: ولن تقدروا أيها الأزواج على {أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ}؛ أي: على العدل والتسوية بين الزوجات في الحب وميل القلب، {وَلَوْ حَرَصْتُمْ} وجهدتم وتحريتم وبالغتم، وكلفتم أنفسكم على التسوية بينهن في الحب والميل القلبي، حتى لا يقع ميل إلى إحداها بلا زيادة ولا نقص، ولو قدرتم لما قدرتم على إرضائها به، ومن ثم رفع الله ذلك عنكم، وما كلفكم إلا العدل فيما تستطيعون، بشرط أن تبذلوا فيه وسعكم، لأن الباعث على الكثير من هذا الميل هو الوجدان النفسي والميل القلبي الذي لا يملكه المرء، ولا يحيط به اختياره، ولا يملك آثاره الطبيعية، ولهذا خفف الله ذلك عنكم، وبين أن العدل الكامل غير مستطاع، ولا يتعلق به تكليف {فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ}؛ أي: وإذا كان ذلك غير مستطاع لكم، فعليكم أن لا تميلوا كل الميل إلى من تحبون منهن في القسم والنفقة، وتعرضوا عن الأخرى {فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ}؛ أي: فتتركوا التي أعرضتم عنها فتجعلوها كأنها ليست