للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فكاك رقابهم. قال النحاس: ليس هذا السلام من التسليم، إنما هو من التسلم، تقول العرب: سلامًا؛ أي: تسلما منك؛ أي: براءة منك. ولما ذكر تعالى ما بينهم وبين الخلق .. ذكر ما بينهم وبينه.

٦٤ - وثالث الصفات: ما ذكره بقوله: {وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ} عطف على الموصول الأول {لِرَبِّهِمْ} لا لحظ أنفسهم، وهو متعلق بما بعده، والتقديم للتخصيص مع مراعاة الفاصلة {سُجَّدًا} جمع ساجد؛ أي: ساجدين على وجوههم. وقرأ أبو البرهشيم: {سجودًا} على وزن قعود {وَقِيَامًا} جمع (١) قائم مثل نيام ونائم، أو مصدر أجري مجراه؛ أي: قائمين على أقدامهم. وتقديم السجود على القيام مع أنه مؤخر طبعًا لرعاية الفواصل، وليعلم أن القيام في الصلاة مقدّم مع أن السجدة أحق بالتقديم لما ورد: "أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد"، والكفرة يستكبرون عنها، حتى قال بعضهم: لا أفعلها لأني لا أحب أن تعلو رأسي أستيَ. والمعنى: والذين يكونون في الليل ساجدين لربهم على وجوههم، وقائمين على أقدامهم طلبًا لرضاه سبحانه؛ أي: يحيون الليل كلاً أو بعضًا بالصلاة، كما قال في حق المتقين: {كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (١٧)}.

وتخصيص البيتوتة؛ لأن العبادة بالليل أشقّ وأبعد من الرياء، وهو بيان لحالهم في معاملتهم مع ربهم، ووصف ليلهم بعد وصف نهارهم. قال ابن عباس: من صلى بعد العشاء الأخيرة ركعتين أو أكثر فقد بات لله ساجدًا وقائمًا. وروى مسلم عن عثمان بن عفان قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من صلى العشاء في جماعة كان كقيام نصف الليل، ومن صلى الفجر في جماعة كان كقيام ليلة".

فإن قلت: ما معنى هذا الحديث، فإنه يرفع مؤنة قيام الليل؟

قلت: هذا الحديث ترغيب في الجماعة، وبيان للرخصة وتأثير النية، فإن من نوى وقت العشاء أن يقيم الفجر بجماعة كان كمن انتظرها في المسجد، فرب همة عالية تسبق الأقدام، ولكن العمل مع النية أفضل من النية المجردة، والعزيمة


(١) روح البيان.