للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وبطرًا. روي أن عمر رأى غلامًا يتبختر في مشيته، فقال: إن البخترة مشية تكره إلَّا في سبيل الله، وقد مدح الله أقوامًا، فقال: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا} فاقصد في مشيتك. وقال ابن عباس: هم المؤمنون الذين يمشون علماء حلماء ذوي وقار وعفة. وفي الحديث: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أيها الناس عليكم بالسكينة، فإن البر ليس في الإيضاع". السير السريع. وفي صفته - صلى الله عليه وسلم -: (أنه إذا زال .. زال تقلعًا، ويخطو تكفؤا، ويمشي هونًا ذريع المشية، إذا مشى كأنما ينحطّ من صبب).

التقلّع رفع الرجل بقوة، والتكفؤ الميل إلى سنن القصد، والهون الرفق والوقار، والذريع الواسع الخطا؛ أي: أنه كان يرفع رجله بسرعة في مشيه، ويمد خطوه خلاف مشية المختال، وكل ذلك برفق وتثبّت دون عجلة، ومن ثم قيل: كأنما ينحط من صبب، قاله القاضي عياض في "الشفاء". وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يسرع في مشيه جبلة لا تكلّفًا.

وخلاصة هذا: أنهم لا يتكبرون، ولا يتجبرون، ولا يريدون علوًا في الأرض ولا فسادًا.

وثاني الصفات: ما ذكره بقوله: {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ}؛ أي: وإذا كلّمهم السفهاء مواجهة بالكلام القبيح {قَالُوا} في جوابهم قولًا {سَلَامًا}؛ أي: سدادًا يسلمون فيه من الأذى والإثم، فسلامًا صفة لمصدر محذوف، وعليه أكثر المفسرين، ذكر سبحانه أنهم يتحملون ما يرد عليهم من أذى أهل الجهل والسفه، فلا يجهلون مع من يجهل، ولا يسافهون أهل السفه، أو منصوب بفعل مضمر كما في "المفردات". أي: نطلب منكم سلامة، أو إنا سلمنا من إثمكم، وأنتم سلمتم من شرنا كما في "إحياء العلوم". والمعنى؛ أي: وإذا سفه عليهم السفهاء بالقول السيء لم يقابلوهم بمثله، بل يعفون ويصفحون، ولا يقولون إلا خيرًا، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا تزيده شدة الجاهل عليه إلّا حلمًا. وعن الحسن البصري: هم حلماء لا يجهلون، وإن جهل عليهم حلموا ولم يسفهوا، هذا نهارهم فكيف ليلهم؟ خير ليل، صفوا أقدامهم، وأجروا دموعهم، يطلبون إلى الله جل ثناؤه