للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

كالصحابة والسلف الصالح، كمن صدق بموسى وكذب بمحمد عليهما السلام. وما هي إلا خصلة إسرائيلية، نسأل التوفيق وحسن الخاتمة لنا ولجميع المسلمين أجمعين. آمين.

٤١ - {قَالَ} سليمان، كرر الحكاية تنبيهًا على ما بين السابق واللاحق من المخالفة؛ لما أن الأول من باب الشكر، والثاني أمر لخدمه: {نَكِّرُوا}؛ أي: غيروا {لَهَا}؛ أي: لأجل إدراك مستوى عقلها. {عَرْشَهَا}؛ أي: سريرها الذي جيء به؛ أي: غيروا هيئته وشكله بوجه من الوجوه، بحيث ينكر ويجهل، والأمر للشياطين، فجعل الشياطين أسفله أعلاه، وبنوا فوقه قبابًا أخرى هي أعجب من تلك القباب، وجعلوا موضع الجوهر الأحمر الأخضر وبالعكس؛ أي: غيروا سريرها إلى حال تنكره إذا رأته بزيادة أو نقصان.

قال الفراء وغيره: إنما أمرهم بتنكيره؛ لأن الشياطين قالوا له: إن في عقلها شيئًا، فأراد أن يمتحنها. وقيل: خافت الجن أن يتزوج بها سليمان، فيولد له منها ولد، فيبقوا مسخرين لآل سليمان أبدًا، فقالوا لسليمان: إنها ضعيفة العقل، ورجلها كرجل الحمار.

وقوله: {نَنْظُرْ} قراءة الجمهور بالجزم على أنه جواب الأمر (١). وقرأ أبو حيوة بالرفع على الاستئناف؛ أي: نختبر {أَتَهْتَدِي} إلى معرفته فتظهر رجاحة عقلها. {أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ} إلى معرفته فتطهر سخافة عقلها. وذلك (٢) أن الشياطين خافوا أن تفشي بلقيس أسرارهم إلى سليمان؛ لأن أمها كانت جنية، وأن يتزوجها سليمان، ويكون بينهما ولد جامع للجن والإنس فيرث الملك، ويخرجون من ملك سليمان إلى ملك هو أشد وأفظع، ولا ينفكون من التسخير، ويبقون في التعب والعمل أبدًا، فأرادوا أن يبغضوها إلى سليمان، فقالوا: إن في عقلها خللًا وقصورًا، وإنها شعراء الساقين، وإن رجليها كحافر الحمار، فأراد سليمان أن يختبرها في عقلها فأمر بتنكير العرش، واتخذ الصرح كما سيأتي؛


(١) البحر المحيط.
(٢) روح البيان.