عند الحساب، ويراد بهذا التفريق تقطيع ما كان بينهم في الدنيا من صلات وروابط، وبيان خيبة ما كان للمشركين في الشركاء من آمال وتبرُّؤ المعبودين من العابدين وعبادتهم، كما قال:{وقال شركاؤهم} الذين عبدوهم، وجعلوهم شركاء لله سبحانه وتعالى، أي: قال المعبودون للعابدين {مَا كُنْتُمْ} أيها المدعون لعبادتنا {إِيَّانَا تَعْبُدُونَ}؛ أي: ما كنتم تخصوننا بالعبادة، وإنما كنتم تعبدون أهواءكم وشياطينكم التي أغوتكم، فإنها الآمرة لكم بالإشراك، وتتخذون تماثيلنا هياكل لمنافعكم وأغراضكم، والمعبود الحق: هو الذي يعبد وحده؛ لأنه صاحب السلطان الأعلى على الخلق، وبيده الضر والنفع. وقدم المفعول هنا للفاصلة لا للحصر، إذ ليس الغرض أن المنفي عبادة الأصنام المقصورة عليها فقط، بل مطلق عبادتها، سواء كانت مقصورة عليها أم لا، اهـ "فتوحات".
٢٩ - {فَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ}؛ أي: فكفى الله سبحانه وتعالى شهيدًا وحكمًا بيننا، وبينكم، فهو العليم بحالنا وحالكم {إِنْ كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ}؛ أي: إنا كنا عن عبادتكم إيانا {لَغَافِلِينَ}؛ أي: لجاهلين لا نعلمها ولا نرضى بها؛ لأن العبادة لا تليق بنا، بل لله سبحانه وتعالى وحده.
والمعنى: وقد قال شركاؤهم الذين عبدوهم وجعلوهم شركاء لله سبحانه: ما كنتم إيانا تعبدون، وإنما عبدتم هواكم وضلالكم وشياطينكم، الذين أغووكم وإنما أضاف الشركاء إليهم، مع أنهم جعلوهم شركاء لله سبحانه، لكونهم جعلوا لهم نصيبًا من أموالهم، فهم شركاؤهم في أموالهم من هذه الحيثية. وقيل: لكونهم شركاءهم في هذا الخطاب، وهذا الجحد من الشركاء، وإن كان مخالفًا لما قد وقع من المشركين من عبادتهم، فمعناه إنكار عبادتهم إياهم عن أمرهم لهم بالعبادة.
٣٠ - {هُنَالِكَ}؛ أي: في ذلك الموقف، أو في ذلك الوقت على (١) معنى استعارة إطلاق اسم المكان على الزمان؛ أي: في ذلك المقام، والموقف الذي