للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

عليه سبحانه وتعالى من جهة كونه: {إِثْمًا مُبِينًا}؛ أي: ذنبًا ظاهرًا، يستحقون به العقوبة الشديدة، والعذاب الأليم الدائم.

أي: إن تزكية النفس والغرور بالدين والجنس مما يبطىء النفس عن نافع العمل، الذي يثاب عليه الناس، وكفى به إثمًا ظاهرًا؛ لأنه لا أثر له من حق، ولا سمة عليه من صواب، فالله لا يعامل شعبًا معاملة خاصة تغاير سننه التي وضعها في الخليقة، وما مصدر هذه الدعوى إلا الغرور والجهل، وكفى بذلك شرًّا مستطيرًا، ويدخل في مفهوم هذه الآية ما وقع في بعض بلدان المسلمين، لبعض أولاد العلماء والصالحين، الذين يتساهلون في دينهم، ويستخدمون الناس، فلا يصلّون الصلوات الخمس، ويفعلون المحرّمات، ويقولون للعوام: نحن سادة أبناء سادة، وأولياء أبناء أولياء، تطوى لنا الأرض، ونصلي في مكة، ويختلطون مع الأجانب، ويذكرون أذكارًا شيطانية، ويخبرون عن المغيبات، ويذبحون أموال الناس للجن، ويأخذونها منهم غصبًا، فما هؤلاء إلا طواغيت ومردة، فهم أشد ضررًا على المسلمين من اليهود والنصارى، فيا لها مصيبة ابتلي بها المسلمون، فإنا لله وإنا إليه راجعون.

٥١ - {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ} هذا تعجيب من حالهم، بعد التعجيب الأول، وأجمع المفسرون على أن هذه الآية نزلت في اليهود، وسبب نزولها كما مر (١): أن كعب بن الأشرف وحيي بن أخطب وجماعة معهما، جاؤوا مكة يحالفون قريشًا على محاربة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقالوا: أنتم أهل كتاب، وأنتم أقرب إلى محمَّد منكم إلينا، فلا نأمن مكركم فاسجدوا لآلهتنا حتى نطمئن إليكم ففعلوا، وقال أبو سفيان: أنحن أهدى سبيلًا أم محمَّد، فقال كعب: ماذا يقول محمَّد؟ قالوا: يأمرنا بعبادة الله وحده وينهى عن الشرك، قال: وما دينكم؟ قالوا: نحن ولاة البيت، نسقي الحاج، ونقري الضيف، ونفك العاني، وذكروا أفعالهم، فقال: أنتم أهدى سبيلًا، قاله ابن عباس.


(١) البحر المحيط.