للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

بنفسه، كما سيأتي.

٤٨ - {قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا}؛ أي: تكبروا وتعظموا عن الإيمان, وهم القادة للسفلة {إِنَّا كُلٌّ}؛ أي: كلنا نحن وأنتم، وبهذا صح وقوعه مبتدأَ خبره: {فِيهَا}؛ أي: في النار، فكيف نغني عنكم، ولو قدرنا .. لأغنينا عن أنفسنا.

وقرأ الجمهور (١): {كُلٌّ} بالرفع على الابتداء، وخبره: {فِيهَا} والجملة: خبر {إِنَّ} وقرأ ابن السميقع وعيسى بن عمر {إنا كلًّا} بنصب كل. قال الزمخشري وابن عطية: على التوكيد لاسم {إن} وهو معرفة، والتنوين عوض عن المضاف إليه، فكأنه قال: إنا كلنا فيها، وخبر {إن} هو {فِيهَا}. قال أبو حيان: والذي أختاره في هذه القراءة: أن {كلا}: بدل من اسم {إن} لأن {كلًّا} يتصرف فيها بالابتداء ونواسخه، فكأنه قال: إنّ كلًّا فيها، وقيل: حال من الضمير المستكن في خبر {إن} أعني فيها؛ أي: إنا كائنون فيها، حال كوننا كلًّا.

ومعنى الآية (٢): أي واذكر أيها الرسول لقومك وقت حجاج أهل النار وتخاصمهم وهم في النار، فيقول الأتباع للقادة السادة: إنا أطعناكم فيما دعوتمونا إليه في الدنيا من الكفر والضلال، فتكبرتم على الناس بنا، فهل تقدرون أن تحملوا عنا قسطًا من العذاب فتخففوه عنا؟ فقد كنا نسارع إلى محبتكم في الدنيا، ومن قبلكم جاءنا العذاب، ولولا أنتم .. لكنا مؤمنين، ومقصدهم من هذا المقال: تخجيلهم وإيلام قلوبهم، وإلا فهم يعلمون أنهم لا قدرة لهم على ذلك التخفيف، فرد عليهم أولىك الرؤساء بما حكاه الله عنهم بقوله: {قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا} الخ؛ أي: قال: رؤساؤهم الذي أبو الانقياد للأنبياء: إنا جميعًا واقعون في العذاب، فلو قدرنا على إزالته عن أنفسنا .. لدفعناه عنكم.

وخلاصة مقالهم: إنا وأنتم في العذاب سواء.

{إِنَّ اللهَ} سبحانه وتعالى {قَدْ حَكَمَ} وقضى {بَيْنَ الْعِبَادِ} بماهية (٣) كل أحد، فأدخل المؤمنين الجنة على تفاوتهم في الدركات، والكافرين النار على طبقاتهم في الدرجات، ولا معقب لحكمه؛ أي: حكم بينهم بفصل قضائه، فلا


(١) البحر المحيط.
(٢) المراغي.
(٣) روح البيان.