للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

لأبيه بالهداية،

٤٩ - وقد حقق ما عزم عليه، فحقق الله سبحانه رجاءه، وأجاب دعاءه فقال: {فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ}؛ أي: فلما اعتزل إبراهيم أباه وقومه {و} اعتزل {مَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} سبحانه وتعالى بالمهاجرة إلى الشام، فارتحل من كوثي إلى الأرض المقدسة {وَهَبْنَا لَهُ} بعد الهجرة {إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ} ولده، أي: آنسنا وحشته من فراقهم بأولادٍ أكرم على الله من أبيه وقومه الكفرة؛ لأنه عاش حتى رأى يعقوب، لا عقيب المجاوزة والمهاجرة، فإن المشهور، أن الموهوب حينئذٍ إسماعيل، لقوله: {فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ (١٠١)} إثر دعائه بقوله: {رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (١٠٠)} ولعل (١) تخصيصهما بالذكر أنهما شجرة الأنبياء، أو لأنه أراد أن يذكر إسماعيل بفضل على انفراده؛ أي: اعتزل أباه وقومه الكفرة، وأصنامهم بالمهاجرة إلى الأرض المقدسة، ولم يضره فراقهم لا في دين ولا في دنيا، بل نفعه ذلك إذ أبدله (٢) بهم من هم خير منهم، ووهبه بنين وحفدة هم آباء الأنبياء من بني إسرائيل، ولهم الشأن الخطير والقدر العظيم، فقد وهبه إسحاق وولد وإسحاق يعقوب، وقاما مقامه بعد موته وورثا منه النبوة، أما إسماعيل .. فتولى الله سبحانه تربيته بعد نقله رضيعًا إلى المسجد الحرام، فأحيا تلك المشاعر العظام، ومن ثم أفرده بالذكر بقوله: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ ...} الآية.

{وَكُلًّا}؛ أي: وكل (٣) واحد من إسحاق ويعقوب، وقال مقاتل: {وَكُلًّا}: يعني: إبراهيم، وإسحاق، ويعقوب؛ أي: وكل واحد منهم {جَعَلْنَا نَبِيًّا} بنبئهم (٤) الله - سبحانه وتعالى - بعلوم المعارف، وهم ينبئون الخلق بتوحيد الله، وبالإِسلام، وانتصاب (٥) {وَكُلًّا} على أنه المفعول الأول لـ {جعلنا} , قدم عليه للتخصيص، لكن بالنسبة إليهم أنفسهم لا بالنسبة إلى من عداهم؛ أي: كل واحد منهم {جَعَلْنَا نَبِيًّا} لا بعضهم دون بعض

٥٠ - {وَوَهَبْنَا لَهُمْ}؛ أي: لهؤلاء الثلاثة {مِنْ رَحْمَتِنَا}؛ أي: كل خير ديني ودنيوي، مما لم يوهب لأحد من العالمين من المال


(١) روح البيان.
(٢) المراغي.
(٣) زاد المسير.
(٤) المراح.
(٥) الشوكاني.