الحالية؛ أي: أقبل عليهم مستخفيًا حال كونه ضاربًا باليمين. فالمصدر بمعنى الفاعل؛ أي: ضربًا شديدًا قويًا. وذلك لأن اليمين أقوى الجارحتين وأشدهما، وقوة الآلة تقتضي قوة الفعل وشدته. وقيل: ضربًا بالقوة والمتانة. وعلى ذلك مدار تسمية الحلف باليمين؛ لأنه يقوّي الكلام ويؤكده. وقيل: ضربًا بسبب الحلف، وهو قوله تعالى:{وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ}.
ومعنى الآيات:{فَراغَ إِلى آلِهَتِهِمْ} إلخ؛ أي: فذهب مستخفيًا إلى أصنامهم التي يعبدونها، وقال لها استهزاءً: ألا تأكلون من الطعام الذي يقدم إليكم، وكانوا يصنعون في أيام أعيادهم طعامًا لدى هذه الأصنام لتبارك فيه. وقال أيضًا: {ما لَكُمْ لا تَنْطِقُونَ (٩٢)}؛ أي: أي شيء منعكم الإجابة عن سؤالي، ومراده بذلك: التهكم بهم، واحتقار شأنهم، {فَراغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ (٩٣)}؛ أي: فاتجه إليهم يضربهم بقوة وشدة، حتى تركهم جذاذًا إلا كبيرهم، كما تقدم في سورة الأنبياء،
٩٤ - فلما رجعوا من عيدهم إلى بيت الأصنام، وجدوها مكسورة، فسألوا عن الفاعل، فظنوا أن إبراهيم عليه السلام، فعله، فقيل: فائتوا به. {فَأَقْبَلُوا}؛ أي: توجه المأمورون بإحضاره {إِلَيْهِ}؛ أي: إلى إبراهيم، قال ابن الشيخ: قوله: {إِلَيْهِ} يجوز أن يتعلق بما قبله وبما بعده، وقوله:{يَزِفُّونَ} حال من واو {أقبلوا}؛ أي: حال كونهم يسرعون من زفيف النعام، وهو ابتداء عدوها، فقالوا له: نحن نعبدها وأنت تكسرها.
وقرأ الجمهور (١): {يَزِفُّونَ} بفتح الياء من زف إذا أسرع، أو من زفاف العروس، وهو التمهل في المشية، إذ كانوا في طمأنينة أن ينال أصنامهم شيء لعزتهم، وقرأ مجاهد، وعبد الله بن يزيد، والضحاك، ويحيى بن عبد الرحمن المقري، وابن أبي عبلة {يزفون} مضارع زف بمعنى أسرع. وقال الكسائي والفراء: لا نعرفها بمعنى زف. وقرأ حمزة، ومجاهد أيضًا، وابن وثّاب، والأعمش {يزفون} بضم الياء من أزف الرباعي، دخل في الزفيف؛ أي: الإسراع، فهي للتعدي، قاله الأصمعي، وقرىء {يزفون} مبنيًا للمفعول. وقرىء