للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والجواب عن الوجه الرابع: - وهو أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبا بكر قعدا يبكيان -: يحتمل أن يكون لأجل أنَّ بعض الصحابة لمَّا خالف الأمر بالقتل واشتغل بالأسر .. استوجب بذلك الفعل العذاب، فبكى النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ خوفًا وإشفاقًا من نزول العذاب عليهم بسبب ذلك الفعل، وهو الأسر، وأخذ الفداء، والله أعلم.

٦٨ - {لَوْلَا كِتَابٌ}: أي: لولا حكم {مِنَ اللَّهِ} سبحانه وتعالى {سَبَقَ} إثباته في اللوح المحفوظ، وهو أن لا يعاقب المخطىء في اجتهاده؛ لأنَّ هذا كان اجتهادًا منهم؛ لأنهم نظروا في أنَّ استبقاءهم ربَّما كان سببًا في إسلامهم، وأنَّ فداءهم يتقوى به على الجهاد، وخفي عليهم أنَّ قتلهم أعز للإسلام وأهيب لمن وراءهم، أو ما كتب في اللوح من أنه لا يعذب أهل بدر، أو أنَّه لا يعذب قومًا لم يصرح لهم بالنهي عنه، أو أن الفدية التي أخذوها ستحل لهم، و (١) فيما ذكر من الاستشارة دلالةٌ على جواز الاجتهاد، فيكون حجةً على منكري القياس.

وخبر المبتدأ بعد لولا محذوف وجوبًا، تقديره: لولا كتاب من الله سبق موجودٌ {لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}؛ أي: لأصابكم بسبب ما أخذتم من الفداء قبل أن تؤمروا به عذاب شديد، ولكنَّه لم يمسكم؛ لسبق الكتاب بما ذكر آنفًا.

وقيل المعنى (٢): ولولا كتاب من الله تعالى سبق في علمه الأزلي أن لا يعذبكم والرسول فيكم وأنتم تستغفرونه من ذنوبكم .. لمسكم بسبب ما أخذتم من الفداء عذاب عظيم. وأخرج ابن المنذر عن نافع عن ابن عمر قال: اختلف الناس في أسارى بدر، فاستشار النبي - صلى الله عليه وسلم - أبا بكر وعمر، فقال أبو بكر: فادهم، وقال عمر: اقتلهم، فقال قائل: أرادوا قتل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهدم الإِسلام، ويأمره أبو بكر بالفداء! وقال قائل: لو كان فيهم أبو عمر أو أخوه .. ما أمر بقتلهم.

فأخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقول أبي بكر، ففاداهم، فنزل: {لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (٦٨)} فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن كاد ليمسنا في


(١) النسفي.
(٢) المراغي.