للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يزالون يستضعفون المؤمنين ويستهزئون بهم حتى إذا رأوا ما يوعدون من فنون العذاب، فيتبين لهم من المستضعفون أهم أم المؤمنون الموحّدون لله تعالى.

وقصارى ذلك: أنّ المشركين لا ناصر لهم، وهم أقل عددًا من جنود الله عزّ وجلّ، ونحو الآية قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ}.

٢٥ - {قُلْ} لهم يا محمد {إِنْ أَدْرِي}؛ أي: ما أدري وما أعلم؛ لأنّ {إِنْ} نافية. {أَقَرِيبٌ} خبر مقدم لقوله: {مَا تُوعَدُونَ}؛ أي: ما أدري أقريب حصول ما توعدون من العذاب؟ {أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَدًا}؛ أي: غاية تطول مدّتها. ويجوز أن يكون {مَا تُوعَدُونَ} فاعلًا لـ {قريب} سادًّا مسدَّ الخبر لوقوعه بعد همزة الاستفهام، و {ما} موصولة، والعائد محذوف؛ أي: أقريب الذي توعدونه، نحو: أقائم الزيدان.

وقرأ الجمهور (١): {رَبِّي} بإسكان الياء. وقرأ الحرميان، وأبو عمرو بفتحها. والأمد، وإن كان يطلق على القريب أيضًا إلا أن المقابلة تخصّصه بالبعيد. والفرق بين الزمان والأمد أن الأمد يقال باعتبار الغاية، والزمان عامّ في المبدأ والغاية.

والمعنى: أن الموعود كائن لا محالة، وأما وقته فما أدري متى يكون؟ لأن الله لم يبينه لما رأى في إخفاء وقته من المصلحة، وهو ردّ لما قاله المشركون عند سماعهم ذلك متى يكون الموعود إنكارًا له واستهزاءً.

فإن قيل (٢): أليس قال - صلى الله عليه وسلم -: "بعثت أنا والساعة كهاتين"، فكان عالمًا بقرب قيام الساعة، فكيف قال هاهنا: لا أدري أقريب أم بعيد؟.

والجواب: أنّ المراد بقرب وقوعه هو أن ما بقي من الدنيا أقل مما انقضى، فهذا القدر من القرب معلوم، وأما قربه بمعنى كونه بحيث يتوقع في كل ساعة فغير معلوم على أن كل آت قريب، ولذا قال تعالى: {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ}، وقال: {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ}.

والمعنى (٣): أنّ الله سبحانه أمر رسوله أن يقول للناس: إن الساعة آتية لا ريب فيها، ولكن وقتها غير معلوم، ولا يدرى أقريب أم يجعل له ربي أمدًا بعيدًا؟.


(١) الشوكاني.
(٢) روح البيان.
(٣) المراغي.