للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}؛ أي: ليصيبن الذين أقاموا وداموا على هذا القول الخبيث، وعلى هذا الدين الذي ليس بمرضي عذاب وجيع في الآخرة، وإنَّما قال تعالى {مِنْهُمْ} لعلمه السابق أن من النصارى من سيؤمن ويخلص ويترك هذا القول ويعلم أنه فاسق، وإنَّما (١) أظهر في موضع الإضمار لأن الأصل ليمسنهم، تكريرًا للشهادة على كفرهم في قوله: {لَقَدْ كَفَرَ} وتنبيهًا على أن العذاب على من دام على الكفر ولم ينقلع عنه. وفي الآية إيماء إلى أن هذا العذاب لا يمس إلا الذين كفروا منهم خاصة دون من تاب وأناب إلى الله تعالى، ورجع عن عقيدة التثليث وغيرها. وقال ابن جرير: والمعنى ليمسن الذين يقولون: المسيح هو الله، والذين يقولون: إن الله ثالث ثلاثة، وكل كافر يسلك سبيلهم عذاب أليم.

٧٤ - ثم تعجب من حالهم بإصرارهم على التثليث بعد أن ظهرت لهم البينات، وقامت عليهم الحجج المبطلة له، والنذر بالعذاب المرتب عليه، وندب سائرهم إلى التوبة من هذه المقالة الخبيثة فقال: {أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ} والاستفهام فيه استفهام تعجيب وتوبيخ، والهمزة داخلة على محذوف، والفاء عاطفة على ذلك المحذوف، والتقدير: أيسمعون هذه الشهادات المكررة، والتشديدات المقررة، ويثبتون على الكفر، فلا يتوبون ويرجعون إلى توحيد الله وطاعاته، ويستغفرونه عما وقع لهم من تلك العقائد الزائغة، والأقاويل الباطلة {وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}؛ أي: والحال أن الله سبحانه وتعالى غفور لمن تاب وآمن، رحيم لمن مات على التوبة.

والمعنى (٢): أيسمعون ما ذكر من التفنيد لآرائهم والوعيد عليها، ثم لا يحملهم ذلك على التوبة والرجوع إلى التوحيد، واستغفار الله عما فرط منهم، والحال أن ربهم واسع الرحمة، عظيم المغفرة، يقبل التوبة من عباده، ويغفر لهم ما فرط من الزلات إذا هم آمنوا وأحسنوا واتقوا وعملوا الصالحات.

٧٥ - ثم ذكر أن المسيح رسول كغيره من الرسل وأقام الدليل على ذلك فقال: {مَا الْمَسِيحُ ابْنُ


(١) البيضاوي.
(٢) المراغي.