للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

بمثله {وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا}؛ أي: مظاهرًا ومعاونًا في الإتيان بمثله؛ أي: لم يكن بعضهم ظهيرًا لبعض، ولو تعاونوا وتظاهروا، فإنّ هذا غير ميسور لهم، فكيف يشبه كلام المخلوقين كلام الخالق الذي لا نظير له، ولا مثيل.

وتخصيص الثقلين بالذكر؛ لأن المنكر في كونه من عند الله تعالى منهما لا من غيرهما، لا لأن غيرهما قادر على المعارضة

٨٩ - {وَلَقَدْ صَرَّفْنا}؛ أي: وعزتي وجلالي، لقد رددنا وكرّرنا وبيّنا بوجوه مختلفة توجب زيادة بيان {لِلنَّاسِ}، أي: لأهل مكة {فِي هذَا الْقُرْآنِ} المنعوت بالنعوت الفاضلة {مِنْ كُلِّ مَثَلٍ}؛ أي: من كلّ معنى بديع يشبه المثل في الغرابة ليتلقوه بالقبول.

والمعنى (١): وعزتي وجلالي، لقد رددنا القول في هذا القرآن بوجوه مختلفة، وكرّرنا الآيات والعبر، والترغيب، والترهيب، والأوامر، والنواهي، وأقاصيص الأولين، والجنة والنار، ليدبروا آياته، ويتّعظوا بها {فَأَبى} وامتنع {أَكْثَرُ النَّاسِ} من أهل مكة، {إِلَّا كُفُورًا}؛ أي: إلّا الجحود والإنكار، والثبات على الكفر، والإعراض عن الحق، وأنكروا كون القرآن كلام الله بعد قيام الحجة عليهم، واقترحوا من الآيات ما ليس لهم، وأظهر في مقام الإضمار، حيث قال: {فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ} توكيدًا، أو توضيحًا، وقرأ الجمهور {صَرَّفْنا} بتشديد الراء، والحسن بتخفيفها ذكره في «البحر» وإنما (٢) جاز الاستثناء المفرغ من الموجب مع أنّه لا يصح ضربت إلا زيدًا، لأن لفظة أبى هنا تفيد النفي، فيؤوَّل بالمنفيِّ فكأنه قيل: فلم يرضوا، ولم يقبلوا، ولم يختاروا إلا كفورًا.

وفي الآية فوائد: منها: أنّ القرآن العظيم أجلُّ النعم وأعظمها، فوجب على كل عالم وحافظ أن يقوم بشكره، ويحافظ على أداء حقوقه، قبل أن يخرج الأمر من يده.

٩٠ - ولما تم الإقناع بالحجة وقطعت ألسنتهم، وأفحموا، ولم يجدوا وسيلة للردّ، أرادوا المراوغة والمشاغبة باقتراح الآيات، وذكروا من ذلك ستّة أنواع:


(١) المراغي.
(٢) الفتوحات بتصرف.