للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

على أتم وجهٍ أنهم وردوها إذ صاروا حطبها، فامتنع كونهم آلهة، أو: ما ورد العابدون والمعبودون النار. وقيل: ما ورد العابدون فقط. وفي هذا تبكيت لعباد الأصنام، وتوبيخ شديد لهم. وقرأ الجمهور: {آلِهَةً} بالنصب على أنه خبر {كان} وقرأ طلحة: بالرفع على أن في {كَانَ} ضمير الشأن. وقصارى ذلك أن الأصنام، إذا كانت لا تنفع نفسها، ولا تدفع الضر عنها، فهي أبعد من أن تدفع الضر عن غيرها، ومن جرّاء ذلك، فهي جديرة بالتحقير والإهانة، لا بالتعظيم والعبادة {وَكُلٌّ} من العابدين والمعبودين {فِيهَا}؛ أي: في النار {خَالِدُونَ}؛ أي: ماكثون فيها أبدا، لا خلاص لهم منها.

١٠٠ - ثم بيّن أحوالهم فيها، فقال: {لَهُمْ}؛ أي: لهؤلاء الذين وردوا النار {فِيهَا} أي: في النار {زَفِيرٌ} أي: أنين وتنفس شديد، متقطع، من شدة ما ينالهم من العذاب. والزفير: ترديد النفس حتى تنفخ الضلوع منه، وهو مع كونه، من أفعال العبدة، أضيف إلى الكل للتغليب {وَهُمْ}؛ أي: الذين دخلوا النار {فِيهَا}؛ أي: في النار {لَا يَسْمَعُونَ}؛ أي: لا يسمع بعضهم، زفير بعض لعظم الهول، وفظاعة العذاب. وقيل (١): لا يسمعون شيئًا؛ لأنهم يحشرون صمَّا كما قال سبحانه، {وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا}، وإنما سلبوا السماع؛ لأن فيه بعض تروّح وتأنّس. وقيل: لا يسمعون ما يسرّهم، بل يسمعون ما يسوؤهم.

١٠١ - ثم لمّا بيّن سبحانه هؤلاء الأشقياء، شرع في بيان حال السعداء، فقال: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا}؛ أي: من جهتنا، وفي علمنا الخصلة {الْحُسْنَى} التي هي أحسن الخصال، وهي السعادة. وقيل: التوفيق، أو التبشير بالجنة، أو نفس الجنة. وهم كافة المؤمنين الموصوفين بالإيمان والأعمال الصالحة، أو سبقت لهم كلمتنا بالبشرى بالثواب على الطاعة {أُولَئِكَ} الموصوفون بالصفة المذكورة {عَنْهَا}؛ أي: عن نار جهنم {مُبْعَدُونَ}؛ لأنهم قد صاروا في الجنة،


(١) الشوكاني.