للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقرأ أبو عمرو في رواية, والحسن: {فأتبعهم}، بتشديد التاء، وكذا عن الحسن في جميع ما في القرآن إلا {فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ} وفي (١) قراءة من قرأ بالتشديد، دليل على أنه اتبعهم ومعه الجنود، ومن قرأ: {فَأَتْبَعَهُمْ} فمعناه: ألحق جنوده بهم، وجائز أن يكون معهم على هذا اللفظ، وجائز أن لا يكون، إلا أنه قد كان معهم، وقال الزجاج: وقرىء: {وجنوده} عطفًا على فرعون، روي أن موسى خرج بهم أول الليل، وكانوا ستمائة وسبعين ألفًا، فأخبر فرعون بذلك فأتبعهم بعساكره، وكانت مقدمته سبع مئة ألف، فقص أثرهم فلحقهم، بحيث تراءى الجمعان، فعند ذلك ضرب موسى - عليه السلام - بعصاه البحر، فانفلق على اثني عشر فرقًا، كل فرق كالطود العظيم، وبقي الماء قائمًا بين الطرق، وعبر موسى بمن معه من الأسباط سالمين، وتبعهم فرعون بجنوده {فَغَشِيَهُمْ}؛ أي: سترهم وعلاهم {مِنَ الْيَمِّ}؛ أي: من بحر القلزم {مَا غَشِيَهُمْ} وسترهم؛ أي: الموج الهائل، الذي لا يعلم كنهه إلا الله، والتكرير للتعظيم والتهويل، كما في قوله: {الْحَاقَّةُ (١) مَا الْحَاقَّةُ (٢)}.

والظاهر (٢): أن الضمير في {غَشِيَهُمْ} في الموضعين: عائد على فرعون وجنوده، وقيل: الأول على فرعون وقومه، والثاني على موسى وقومه، وفي الكلام حذف على هذا القول، تقديره: فنجا موسى وقومه، وغرق فرعون وقومه، وقرأ الجمهور (٣) {فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ} على وزن فعل مجرد من الزيادة، وقرأت فرقة، منهم الأعمش {فغشاهم من اليم ما غشيهم} بتضعيف العين، فالفاعل في القراءة الأولى: {مَا} وفي الثانية الفاعل الله؛ أي: فغشاهم الله، قال الزمخشري: أو فرعون؛ لأنه الذي ورط جنوده، وتسبب لهلاكهم، وقال: {مَا غَشِيَهُمْ} من باب الاختصار، ومن جوامع الكلم التي تستقل مع قلتها بالمعاني الكثيرة؛ أي: غشيهم ما لا يعلم كنهه إلا الله تعالى

٧٩ - {وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ}؛ أي: سلك بهم مسلكًا أداهم إلى الخيبة والخسران، في الدين والدنيا معًا، حيث ماتوا


(١) زاد المسير.
(٢) البحر المحيط.
(٣) البحر المحيط.