وقومه؛ لأن الملك ورجال الدولة هم الذين كانوا مستعبدين لبني إسرائيل، وبيدهم أمرهم، وليس لسائر المصرين من الأمر شيء؛ لأنّهم كانوا مستعبدين أيضا، ولكن الظلم كان على بني إسرائيل الغرباء أشد، ولو آمن فرعون وملؤه لآمن سائر المصريين؛ لأنّهم كانوا تبعا لهم، وقد كان موسى مرسلا إلى قومه بني إسرائيل قصدا، وإلى فرعون وملئه وسيلة {فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ}؛ أي: فانظر أيها الرسول كيف كان عاقبة فرعون وملئه المفسدين في الأرض، بالظلم واستعباد البشر، حين جحدوا آيات الله وكفروا بها.
وفي هذا تشويق وتوجيه للنظر إلى ما سيقصه الله تعالى من عاقبة أمرهم، إذ نصر رسوله موسى - وهو واحد من شعب مستضعف مستعبد لهم - على فرعون وملئه، وهم أعظم أهل الأرض قوة وصولة، بأن أبطل سحرهم، وأقنع علماءهم وسحرتهم بصحة رسالته، وكون آياته من عند الله تعالى، ثم نصره بإرسال أنواع العذاب على البلاد، ثم بإنقاذ قومه وإغراق فرعون ومن تبعه من ملئه وجنوده، وهذه عبرة قائمة على وجه الدهر، وحجة على أنّ الغلب ليس للقوة المادية فحسب، كما يقوله المغرورون بعظمة الأمم الظالمة الأجنبية لمن استضعفتهم من أهل الوطن، كما هو مشاهد الآن في شرقي أفريقيا كأرمينيا.
وبعد التشويق والتنبيه المتقدم، قص الله تعالى ما كان من أولئك القوم في ابتداء أمرهم، حتى انتهوا إلى تلك العاقبة فقال:
١٠٤ - {وَقالَ مُوسى يا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (١٠٤)} وهذا كلام (١) مستأنف لتفصيل ما أجمل قبله من كيفية إظهار الآيات، وكيفية عاقبة المفسدين، ولم يكن هذا القول وما بعده من جواب فرعون إثر ما ذكر ههنا، بل بعد ما جرى بينهما من المحاورات المحكية بقوله تعالى:{قالَ فَمَنْ رَبُّكُما يا مُوسى} الآيات. وقوله:{وَما رَبُّ الْعالَمِينَ} الآيات. فطوى ذكره هنا للإيجاز؛ أي: وقال موسى عليه السلام - حين دخل على فرعون ودعاه إلى الإيمان بالله تعالى، وإلى الإيمان به: