للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والمعنى (١): أي وفي قصص موسى عبرة لقوم يعقلون؛ إذ أرسلناه إلى فرعون بحجج ظاهرةٍ، وآيات باهرة فأعرض، ونأى, وكذب ما جاء به معتزًّا بجنده، وقوته، وجبروته. وقال حينًا تحقيرًا لشأن موسى: {إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ}، وقال حينًا آخر: {إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ}. وما مقصده من هذا إلا صرفهم عن النظر والتأمّل فيما جاء به من الآيات خوفًا على ملكه أن ينهار، وعلى دولته أن يلحقها الدماء، وإبقاء على ما له من النفوذ والسلطان في البلاد.

ثم ذكر جزاءه هو وقومه على ما صنع، فقال: {فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ ...} إلخ؛ أي: فألقينا فرعون وجنوده في البحر، وهو آت بما يلام عليه من الكفر والطغيان. وفي هذا إيماء إلى عظمة القدرة على إذلال الجبابرة، وسوء عاقبتهم جزاء عتوهم واستكبارهم وعصيانهم أمر خالقهم.

٤١ - ثم ذكر قصص عاد، فقال: {وَفِي عَادٍ}؛ أي (٢): وجعلنا في عاد قوم هود آيةً على تقدير كونه معطوفًا على قوله: {وَتَرَكْنَا فِيهَا آيَة}، أو وفي قوم هود {آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ} إن كان معطوفًا على {وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ}. {إِذْ أَرْسَلْنَا} ظرف لـ {جعلنا} المقدر {عَلَيْهِمُ}؛ أي: على أنفسهم أصالة، وعلى دورهم وأموالهم وأنعامهم تبعًا. {الرِّيحَ الْعَقِيمَ}؛ أي: المعقم. أي: المهلك لكل شيء، أو العاقم: أي: القاطع لكل خير. وهي التي لا خير فيها ولا بركة، لا تلقح شجرًا، ولا تحمل مطرًا إنما هي ريح الإهلاك والعذاب، وفي "بحر العلوم": ولعله سمّاها عقيمًا لأنّها كانت سبب قطع الأرحام من الولادة بإهلاكها إيّاهم، وقطعها دابرهم، وهي ريح العذاب والهلاك، وهي (٣) النكباء على قول عليّ رضي الله عنه. وهي التي انحرفت ووقعت بين ريحين، أو بين الصبا والشمال، وهو الدبور على قول ابن عباس رضي الله عنهما. ويؤيده قوله - صلى الله عليه وسلم -: "نصرت بالصبا، وأهلكت عاد بالدبور". وهي ريح تقابل الصَّبا. أي: ريح تجيء من جانب المغرب. فإنَّ الصَّبَا تجيء من جانب المشرق. وقال ابن المسيب: الريح العقيم: هي الجنوب مقابل الشمال. وهي ريح تجيء من شمال من يتوجه إلى المشرق. وهي كثيرة في فصل الشتاء، وآخر فصل الخريف.


(١) المراغي.
(٢) روح البيان.
(٣) روح البيان.