للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

حبيش: {عالم} منوّنًا {غيب} بالنصب، وقيل: المعنى: أي (١) إن الله عالم ما تخفون أيها المشركون في أنفسكم، وما تضمرون، وما ستنوون أن تفعلوه، وما هو غائب عن أبصاركم في السموات والأرض، فاتّقوه أن يطَّلع عليكم وأنتم تضمرون الكيد لرسوله، وتريدون إطفاء دينه، وتنصرون آلهتكم التي لا تنفعكم شيئًا يوم القيامة، والمعنى الأول أولى بالسياق، وفي هذا إيماءٌ إلى أنه لو مدّ أعمارهم لم يرجعوا عن الكفر أبدًا، فلا مطمع في صلاحهم، وجملة قوله: {إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} تعليل لما قبلها؛ أي: لأنه عليم بما تكنّه السرائر وما تنطوي عليه الضمائر، وسيجازي كل عامل بما عمل؛ أي: لأنه إذا علم مضمرات الصدور وهي أخفى من كل شيء .. علم ما فوقها بالأولى، وقيل: هذه الجملة مفسّرة للجملة الأولى.

ولم يقل: ذوات الصدور (٢)؛ لإرادة الجنس، وذات: تأنيث ذي بمعنى: صاحب، والمعنى: عليم بالمضمرات صاحبة الصدور؛ أي: القلوب، فحذف الموصوف وأقيمت صفته مقامه، وجعلت الخواطر القائمة بالقلب صاحبة له بملازمتها وحلولها، كما يقال للّبن ذو الإناء، ولولد المرأة وهو جنين: ذو بطنها، فالإضافة لأدنى ملابسة.

وفي "التأويلات النجمية": أي عالم بإخلاص المخلصين وصدق الصادقين، وهما من غيب سموات القلوب، وعالم بنفاق المنافقين وجحد الجاحدين، وهما من غيب أرض النفوس انتهى.

٣٩ - ثم ذكر ما هو سبب آخر لعلمه بالغيب قال: {هُوَ}؛ أي: الله سبحانه، وهو مبتدأ، خبره قوله: {الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ}؛ أي (٣): جعلكم أمة خالفة لمن قبلها، قال قتادة: خلفًا بعد خلف، وقرنًا بعد قرن، والخلف هو التالي للمتقدم، وقيل: جعلكم خلفاءه في أرضه.

والخلائف (٤): جمع خليفة، وأما خلفاء فجمع خليف، كما سيأتي، وكلاهما بمعنى المستخلف؛ أي: جعلكم خلفاء في أرضه ممن كان قبلكم من الأمم،


(١) المراغي.
(٢) روح البيان.
(٣) الشوكاني.
(٤) روح البيان.